الرسوم الجمركيَّة بين السياسة والاقتصاد

كتب علي لفتة سعيد.. يشهد العالم، منذ أن عاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الحكم في ولايةٍ ثانية، سباقًا لرفع الرسوم الجمركية على جميع دول العالم، سواء الصديقة منها أو الحليفة، أو تلك التي ينظر إليها بعين الريبة والترصّد، كالصين مثلًا.
وهذا السباق الذي أراد ترامب من خلاله معالجة، كما يقول، الخلل الذي أصاب الاقتصاد الأمريكي في عهد سلفه بايدن، الذي تسبّب -بحسب ترامب- بتعطيل الصناعة الأمريكية وتراجع مبيعاتها، وهو الأمر الذي يعني حصول عجزٍ وركودٍ اقتصاديٍّ وصناعيّ.
والرئيس الأمريكي لم يأتِ من فراغٍ اقتصاديّ، فهو رجل أعمال، كما نُسمّيه في المصطلح الشعبي “رجل اقتصادي”، يعرف من أين تُؤكَل كتف الاقتصاديات العالمية. لأنّ الرسوم الجمركية التي تُفرَض على شركاتٍ تُصدّر سلعها المختلفة تعني رفع أسعارها في الداخل، وهو ما سيؤثّر في المواطن في عمليّة الشراء، خاصةً إذا كانت الرسوم عالية جدًّا، قد تصل إلى مائةٍ بالمائة، كما رفعها الرئيس الأمريكي على الصين مثلًا إلى 145 بالمئة، وربما تزداد مستقبلًا كلّما رفعت الصين نسب رسومها.
فما هي الفائدة؟ وهل هو صراعٌ اقتصاديّ أم صراعٌ سياسيّ أيضًا؟
إنّ الرسوم هي فوائد تستحصِلها الدولة على كلّ ما يُورَّد إليها، ولكنها، أي الرسوم، تكون مؤثّرة على المواطن في الداخل أكثر منها على الدول المصدّرة، إذا كانت الدولة الفارضة للرسوم ليست لديها حلولٌ داخليّة، وهو ما يُعدّ إجراءً غير مؤثّر على الدول المصدّرة، لأنّ الاستيراد سيبقى مستمرًّا. كما فعل العراق خلال السنوات السابقة، برفع قيمة الرسوم أو الضرائب على السلع المستوردة، لأن لا حلول لديه داخليًّا كتعويضٍ عن السلع في حال التوقّف عن استيرادها، ولذا فإنّ الدولة المصدّرة مطمئنّة إلى أنّ الاستيراد لم ولن يتوقّف.
لكن في الحالة الأمريكية، فإنّ رفع الرسوم الجمركية له حالتان من الصراع الدولي:
الأولى سياسية، وهي إبقاء السيطرة الأمريكية على الاقتصاد العالمي، وأنّها هي التي تُحرّكه وتُديمه وتقتله أو تُحدث فيه جروحًا كثيرة، وأنّها ستجعل الدول “المُعاندة” تدفع ثمن توقّف استيراد صناعتها إلى السوق الأمريكية، التي تُعدّ من أكبر الأسواق العالمية لمعظم دول العالم. فضلًا عن خضوع الدول غير الصناعية إلى الإبقاء على تبعيّتها لأمريكا، لأنّها دولٌ تستورد ما يُنتَج في الخارج، ولا شيء يعوّض ذلك في الصناعة أو التجارة الداخلية. خاصّةً وأنّ الصراع يعني زيادة أسعار المواد الأولية والمنتَجة والمُصنّعة في أغلب دول العالم، وهو ما يعني زيادة أسعار السلع المستوردة. فضلًا عن أنّ السياسة الأمريكية تُسبّب أيضًا انخفاضًا في أسعار النفط العالمية، لأنّ الرسوم تسبّبت بشللٍ في الإنتاج الصناعي.
في حين تسعى أمريكا، في هذا الصراع، إلى الحصول على مكاسب اقتصاديّة عديدة، من أهمّها تفعيل الصناعات الأمريكية، وإعادة الروح إلى عشرات الآلاف من الصناعات الأمريكية، التي ستزيد من إنتاجها، وبالتالي إيجاد أسواق داخلية تكون معوّضًا عن السلع العالمية، خاصّةً الأوروبيّة والصينيّة التي كانت تدخل إلى أمريكا لرُخص أسعارها مقارنةً بالسلع الأمريكية. وهو ما يعني النهوض بالصناعات المحليّة، ممّا سيُؤدّي إلى رفع نسبة القوّة الاقتصاديّة الأمريكيّة أمام القوّة الاقتصاديّة العالميّة المتنامية، خاصّةً السوق الصينيّة.
إنّ الصراع السياسيّ والاقتصاديّ يُعَدّ واحدًا من أخطر أنواع الصراع الذي تُسبّبه التعرفة الجمركيّة لجميع دول العالم، لكنها، بالنسبة للدول التي لا توجد فيها صناعات خاصّة، كالعراق ودول العالم الثالث، فإنّها تُعاني الأمرّين كما يُقال. فهي تُعاني من رفع أسعار السلع المستوردة، فضلًا عن انخفاض ما لديها من موادّ مُصدَّرة تعتمد عليها في مدخولات التنمية والسياسة المالية وجداولها.
لذا فإنّ الرئيس الأمريكي قد ضرب عصفورين، ليس بحجرٍ واحد، بل بنصفِ حجر، لأنّه يُدرك أنّ الاقتصاد الأمريكي سيكون في أقوى حالاته، وإن كان النصف الثاني من الحجر سيُصيب مواطنيه، لكنها لن تكون ضربةً موجعة، ومعالجة الركود الاقتصادي ستكون مكلفةً للدول الأخرى أكثر من أمريكا نفسها، التي ستربح القوّة السياسية، وتفرض هيمنتها كقوّةٍ عسكريّة