
كتب علي الساعدي: يعد العراق من الدول الغنية بالمواقع الأثرية والتاريخية، حيث احتضن حضارات عظيمة مثل سومر وبابل وآشور التي تركت بصماتها في التاريخ الإنساني، كما يتميز بتنوع جغرافي فريد يشمل الأهوار والجبال والصحارى، إضافة إلى الأماكن الدينية المقدسة التي تجذب ملايين الزوار سنوياً، ومع ذلك، لا يزال قطاع السياحة دون المستوى المتوقع بسبب التحديات السياسية والأمنية وضعف البنية التحتية.
تعتبر السياحة من القطاعات الاقتصادية الحيوية التي تسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني، إذ تسهم في خلق فرص العمل، جذب الاستثمارات، وتنويع مصادر الدخل، فالدول التي تمتلك مقومات سياحية متقدمة تحقق إيرادات كبيرة، من خلال استقطاب السياح وتشجيع الأنشطة التجارية والخدمية المرتبطة بالسياحة مثل الفنادق والمطاعم ووسائل النقل في العراق، يمكن للسياحة أن تكون ركيزة أساسية لتنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط، لكنها تحتاج إلى تطوير شامل واستراتيجيات فعالة للنهوض بها.
ورغم امتلاك العراق لمقومات سياحية متميزة، إلا أن القطاع السياحي يواجه العديد من التحديات التي تعيق تطوره، من أبرز هذه التحديات الأوضاع الأمنية غير المستقرة التي تؤثر في تدفق السياح، حيث يخشى الكثير من الزوار الأجانب من المخاطر المحتملة، مما يقلل من أعداد القادمين إلى البلاد.
كذلك يعاني العراق من نقص في الفنادق والمنتجعات السياحية ذات المعايير العالمية، وسوء خدمات النقل والمواصلات، مما يجعل تجربة السائح غير مريحة، كما يفتقر العراق إلى استراتيجيات تسويقية فعالة تبرز أماكنه السياحية، حيث لا يتم استغلال وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي بالشكل المطلوب لجذب السياح، إضافة إلى ذلك، تواجه السياحة البيروقراطية وتعقيدات منح التأشيرات، وضعف الدعم الحكومي للمشاريع السياحية، وعدم وجود قوانين مشجعة للاستثمار.
كما أن الاستثمار في السياحة الترفيهية والبيئية ما زال ضعيفاً، رغم وجود مناطق طبيعية متميزة مثل الأهوار والمناطق الخلابة في كردستان، إلا أن استغلالها السياحي لا يزال محدوداً بسبب نقص المشاريع والخدمات الداعمة، ولتطوير السياحة في العراق وتحقيق الاستفادة القصوى من مواردها، لا بد من تبني استراتيجيات شاملة تهدف إلى النهوض بهذا القطاع.
من أبرز الحلول المقترحة، تعزيز الأمن السياحي، من خلال تطوير منظومة أمنية متخصصة لحماية المناطق السياحية، وتوفير مراكز شرطة سياحية تساعد الزوار وتقدم الإرشادات اللازمة، بالإضافة إلى التعاون مع الجهات الدولية لتبادل المعلومات الأمنية وتعزيز الثقة في الأمن العراقي، كذلك يجب تحسين البنية التحتية والخدمات، من خلال تطوير شبكة الطرق والمواصلات التي تربط بين المواقع السياحية والمدن الرئيسية، وبناء فنادق ومنتجعات بمواصفات عالمية خاصة في المناطق السياحية المهمة، وتحسين المرافق الخدمية مثل المطاعم ومراكز الترفيه والمتاحف الحديثة لتقديم تجربة سياحية مريحة وجاذبة.
يجب أيضاً إطلاق حملات دعائية عالمية للترويج السياحي، والاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي والتقنيات الحديثة في الترويج، ويمكن تنظيم معارض ومؤتمرات سياحية عالمية لتعريف المستثمرين بفرص الاستثمار في القطاع السياحي، والتعاون مع وكالات السياحة العالمية لإدراج العراق ضمن الوجهات السياحية المعتمدة، من الضروري أيضاً تشجيع الاستثمار في السياحة من خلال تقديم تسهيلات ضريبية وقانونية للمستثمرين، وإنشاء مناطق سياحية متكاملة تستهدف السياحة الدينية والثقافية والترفيهية، إضافة إلى دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة المرتبطة بالسياحة مثل الحرف اليدوية والمطاعم الشعبية، ما يسهم في تنمية المجتمعات المحلية.
كذلك، يتعين تطوير السياحة الدينية من خلال تحسين الخدمات المقدمة للحجاج والزوار في الأماكن الدينية مثل العتبات المقدسة في كربلاء والنجف وسامراء، وتوفير بيئة آمنة ومريحة للزوار عبر تعزيز وسائل النقل والإقامة، وتنظيم الزيارات بشكل يضمن انسيابية الحركة، وأخيراً، يجب الاستثمار في السياحة البيئية والطبيعية، من خلال تطوير السياحة في الأهوار وتوفير وسائل نقل حديثة، وإنشاء منتجعات بيئية تحافظ على التراث الطبيعي والثقافي للمنطقة، إضافة إلى الترويج لمناطق كردستان كوجهة سياحية جبلية مناسبة للرياضات الشتوية والمغامرات، ودعم السياحة الصحراوية من خلال تنظيم رحلات السفاري والتخييم، ما يفتح آفاقاً جديدة لجذب السياح المغامرين.