كتب د. ياسين طرار غند: شهدت السنوات الأخيرة توسعاً ملحوظاً في إنشاء الجامعات الأهلية، التي باتت تلعب دوراً مهماً في توفير التعليم العالي كبديلٍ عن الجامعات الحكومية.
ومع هذا الانتشار، اتجهت العديد من الجامعات، نحو افتتاح أقسام جديدة في مجالات حساسة، مثل الأقسام السيكولوجية العلاجية وتأهيل اضطراب التوحد.
لكن السؤال الأبرز: هل تمتلك هذه الجامعات الإمكانيات الأكاديمية والمهنية اللازمة لافتتاح مثل هذه الأقسام؟ لا سيما أن بعض الأقسام الأكثر شمولاً، مثل قسم “ذوي الاحتياجات الخاصة”، يعاني في بعض الجامعات من ضعف في البنية التحتية والكفاءات المؤهلة.
المفارقة أن تخصصات كهذه لا تتطلب شهادة بكالوريوس تمتد لأربع سنوات، بل يمكن الاكتفاء بدبلوم مهني مكثف مدته ستة أشهر، لتأهيل الكوادر بشكل كافٍ.
أهمية الكفاءة الأكاديمية والمهنية في التخصصات الحساسة مثل الأقسام السيكولوجية العلاجية وتأهيل اضطراب التوحد، ليست كأي قسم أكاديمي آخر، فهي تتطلب مستوى عالياً من الكفاءة الأكاديمية والاحترافية في التعامل مع الفئات المستهدفة.
يتطلب ذلك كوادر تعليمية تمتلك تدريباً متخصصاً ومعرفة عميقة باضطرابات النمو والسلوك وأساليب العلاج المختلفة.
عدم توفير الكوادر المؤهلة والمعدات التعليمية المناسبة يؤدي إلى عواقب وخيمة:
تدني جودة التعليم: الخريجون يفتقرون إلى المهارات العملية والعلمية.
تأثير سلبي على الفئة المستهدفة: الأطفال الذين يحتاجون إلى خدمات تأهيلية عالية الجودة سيواجهون نقصاً في الرعاية المطلوبة.
فتح تخصصات مثل الأقسام السيكولوجية العلاجية أو تأهيل التوحد دون دراسة جدية، وإعداد مناسب يؤدي إلى تخريج طلاب غير مؤهلين، مما يؤثر بشكل مباشر في المجتمع.
التحديات في تأسيس الأقسام التخصصية
هذه الأقسام تواجه العديد من التحديات، من أبرزها:
1- نقص الكوادر المؤهلة: إعداد كوادر تعليمية وطبية قادرة على تقديم تعليم وخدمات بجودة عالية يتطلب استثمارات طويلة الأمد في التدريب والتطوير.
2- ضعف البنية التحتية: هذه التخصصات تحتاج إلى مختبرات ومعدات متقدمة، إضافة إلى برامج تدريب عملية مدروسة.
3-غياب المناهج المتخصصة: الاعتماد على مناهج عامة وغير محدثة قد يؤدي إلى تقديم تعليم لا يفي بالغرض.
هذه التحديات تجعل فتح أقسام متخصصة دون توفر الموارد اللازمة مخاطرة كبيرة تهدد مستوى التعليم ومستقبل الطلاب.
إن التوسع غير المدروس وتأثيره على المجتمع فتح تخصصات حساسة بشكل عشوائي يضر بسمعة الجامعات الأهلية، ويؤدي إلى ضعف الثقة المجتمعية في مخرجاتها، فعلى سبيل المثال، تأهيل اضطراب التوحد يحتاج إلى متخصصين مدربين على التشخيص والعلاج بشكل دقيق، تخريج كوادر غير مؤهلة يؤدي إلى تفاقم معاناة الأطفال ذوي التوحد وأسرهم بدلاً من تقديم حلول فعّالة.
الحاجة إلى رقابة صارمة ولمواجهة هذه المخاطر، يجب أن تتدخل الجهات الرقابية المعنية لوضع ضوابط صارمة عند منح التراخيص لفتح أقسام متخصصة، وتشمل هذه الضوابط:
توفير الموارد الأكاديمية: يجب التأكد من توفر المعدات والمناهج الملائمة.
تأهيل الكوادر التدريسية: ضمان حصول أعضاء هيئة التدريس على التدريب المناسب.
إجراء تقييم دوري: تقييم جودة التعليم بشكل مستمر من خلال مختصين في المجال.
المسؤولية المجتمعية للجامعات الأهلية تقع على عاتق الجامعات الأهلية مسؤولية كبيرة لضمان جودة التعليم، لا سيما في التخصصات الحساسة التي تتعلق برعاية وتأهيل الفئات الأكثر حاجة، السعي وراء الربح دون الالتزام بالمعايير الأكاديمية، يؤدي إلى إخفاقات لها انعكاسات سلبية على المجتمع بأكمله.
يجب أن يكون الهدف الأساسي للجامعات تقديم تعليم يعتمد على أسس علمية ومهنية واضحة، لضمان تأهيل كوادر قادرة على إحداث تغيير إيجابي في المجتمع.
وإن الالتزام بالمعايير الأكاديمية وتوفير الكفاءات المتخصصة قبل افتتاح أي قسم جديد هو السبيل الوحيد لتعزيز الثقة وتحقيق أهداف التعليم العالي، فالتوسع غير المدروس يهدد جودة التعليم والمجتمع على حد سواء، مما يستدعي رقابة صارمة وجهوداً جادة، لضمان تقديم خدمات تعليمية تلبي الاحتياجات الحقيقية.