كتب محمد البدر.. طالما كانت المناخ والتضاريس لها دور كبير في سير المعارك عبر التاريخ قديماً وحديثاً.
أكبر هزيمة عسكرية بتاريخ البشرية هي هزيمة نابليون في غزوه لروسيا عام 1812، ذهب بـ 650 ألف جندي، وعاد بـ 25 الف جندي فقط، أكثر من نصف جيشه قتله البرد، والنصف الآخر قتلته هجمات الفلاحين والمقاتلين الروس الذين كانوا ينفذون هجماتهم على معسكرات نابليون مستغلين الضباب الكثيف والمطر.
وتحت غطاء الضباب والمطر تمكن الروس من أسر 100 الف جندي من جيش نابليون.
استغل الروس مناخهم ليكون سلاحهم الأقوى بوجه نابليون الذي اعتقد نفسه قادراً على غزوها، دخل روسيا في بداية فصل الصيف، وغادرها منهزماً في منتصف فصل الشتاء، وقد فقد أكثر من 600 ألف مقاتل من قواته.
هذا عن تأثير المناخ.
اما تأثير التضاريس فقد تسببت بأكبر هزيمة عسكرية بتاريخ أمريكا، يوم فرت هي وحلف الناتو من افغانستان تاركة الحكم لحركة طالبان بعد 20 سنة من الخسائر المالية والعسكرية.
استغلت حركة طالبان تضاريس البلاد، حيث هضبة بامير وجبال هندوكوش وتورابورا، تخفت طوال عقيدين ومارست هجماتها مستغلة التضاريس، لتكون النتيجة هزيمة عسكرية مدوية لأمريكا والناتو.
منذ أسبوعبن اعلن جيش الاحتلال الصهيوني بداية العمليات البرية في جنوب لبنان، وهدف العملية هو دفع مقاتلي الحزب شمال نهر الليطاني، وهذه الهدف سبق وأن اعلنه الاحتلال في حرب 2006 ولم يتمكن من تحقيقه.
قبل بداية العملية البرية صرح وزير الخارجية الصهيوني بالقول (إذا فشل العالم في سحب حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني، فإن إسرائيل ستفعل ذلك).
المسافة التي تفصل نهر الليطاني عن الحدود اللبنانية مع الأراضي المحتلة هي مسافة متغيرة حسب مجرى النهر، يقع في أبعد نقطة على مسافة 28 كم، وفي أقرب نقطة على مسافة 6 كم، والمساحة البرية المحصورة بين جنوب نهر الليطاني وحدود الأراضي المحتلة هي 850 كم².
عام 1978 قبل تأسيس حزب الله بسنوات، اجتاح الكيان الصهيوني الأراضي اللبنانية لأول مرة في عملية اسماها حينها (عملية الليطاني) وكان هدف العملية طرد عناصر منظمة التحرير الفلسطينية الى شمال النهر، وقد نجح حينها في ذلك.
وكانت هذه العملية رداً على عملية (كمال عدوان) حيث تَسلل مقاتلون فلسطينيون عبر البحر الى المستوطنات وقاموا بالسيطرة على حافلة ركاب وتسببوا بمقتل عشرات المستوطنين الصهاينة.
بقيت قوات الكيان في جنوب لبنان منذ دخولها عام 1978 حتى طردها على يد حزب الله في عام 2000.
صرح قادة الكيان ان هدف العملية البرية هو عودة سكان الشمال، وابعاد خطر حزب الله عن الحدود خوفاً من تنفيذ هجوم إخر مشابه لهجوم 7 تشرين 2023.
زج الكيان بقوات قوامها أكثر من 40 الف مقاتل، مع أحدث أنواع الأسلحة والمعدات وبغطاء جوي هائل، وعلى مساحة 120 كم وهي طول الحدود اللبنانية مع الأراضي المحتلة، وقد مر حتى الآن (16 تشرين 2024) أكثر من 14 يوم على بداية العملية دون أن يحقق الكيان أي تقدم.
في حرب تموز 2006 بدأ توغل الكيان في منتصف فصل الصيف، وكانت النتيجة فشل التوغل وتدمير دبابات الميركافاه المتوغلة.
العملية البرية الآن أتت في منتصف فصل الخريف، ولم تحرز اي تقدم.
وهي تحدث على ارض مختلفة تماماً عن ارض قطاع غزة.
يمتاز جنوب لبنان بتضاريس وعرة، مرتفعات وغابات واودية ومنحدرات صخرية وتعرجات ارضية تشكل جغرافيا الجنوب.
هذه التضاريس تعتبر مصيدة وبيئة مثالية لنصب الكمائن والتخفي واستخدام المعدات الدفاعية ضد العدو.
لايستطيع العدو استخدام مركباته وآلياته بشكل طبيعي في مثل هذه التضاريس.
الغطاء الجوي لا يستطيع معالجة خلايا مقاتلة تتكون من 2-3 مقاتلين وهي الخلايا التي يستخدمها حزب الله كما هو معروف، هذه الخلايا تتنقل بسرعة، مع اسلحة مناسبة لإستهداف الدروع والمشاة.
مع التضاريس الوعرة، يأتي المناخ ليكون مكمل مثالي في صد أي قوة مهاجمة.
يمتاز مناخ جنوب لبنان بالبرودة، وتساقط الأمطار وانتشار الضباب.
تنخفض درجات الحرارة الى ارقام مادون الصفر، ويستمر تساقط المطر لعدة أيام في كل موجة، وينتشر الضباب بشكل شبه يومي صباحاً.
هذه المُعطيات، من تضاريس ومناخ، تمنح مقاتلي الحزب نقطة تفوق ضد العدو، ويمكن استغلالها في مهاجمة العدو، ونصب الكمائن، واستهداف التجمعات والآليات، وحرية التنقل ونقل الإمدادات.
مابين التضاريس والمناخ ومعرفتهم بطبيعة وتضاريس الأرض، اضافة لشجاعتهم وصمودهم الذي خبره العدو منذ عقود طويلة، سيكون جنوب لبنان مستنقع آخر للعدو، وبيئة مثالية للاستنزاف.
العدو الصهيوني الذي كان منذ 1948 هو من يستنزف الآخرين ويقصف مدنهم، بات اليوم هو المُستنزف، وتتعرض مدنه للقصف بشكل يومي.
معطيات هذا الصراع تغيرت مابعد عملية طوفان الأقصى المباركة، وبات النصر محسوماً لمن له القدرة على المطاولة والصبر، وهو هنا قطعاً سيكون حزب الله وجبهات المواجهة والاسناد من غزة الى الفصائل العراقية واليمن.