يحتوي كوننا المرئي الذي يمتد لعشرات المليارات من السنين الضوئية في جميع الاتجاهات، على عدد هائل من المجرات بداخله، وتحتوي كل مجرة على مجموعة ضخمة من النجوم، لكن هل تساءلت يوما كم عدد المجرات الموجودة في الكون؟ يبدو أن عدّها وحصرها مهمة مستحيلة نظرا لمحدودية أدواتنا.
وفقا لمقال منشور على موقع “بيج ثينك” (Big Think)، فإن العدد الدقيق للمجرات كان لغزا، إذ ارتفعت التقديرات من الآلاف إلى الملايين إلى المليارات، وكل ذلك مع تحسن تكنولوجيا المنظار (التلسكوب).
وإذا أجرينا التقدير الأكثر وضوحا باستخدام أفضل التقنيات المتاحة اليوم، فسنذكر أن هناك 170 مليار مجرة في كوننا. لكننا نعرف أنها أكثر من ذلك بكثير، إذ يشير التقدير الحديث إلى وجود تريليوني مجرة في الكون.
تمثلت الإستراتيجية المتبعة من قبل العلماء لرصد المجرات بالكون في توجيه تلسكوب ليحدق طويلا في بقعة فارغة محددة من السماء لا يوجد بها أي نجوم أو مجرات معروفة. وكلما طالت مدة تحديق التلسكوب في تلك البقعة زاد الضوء -القادم من بعيد- الذي يجمعه، وبالتالي اكتشاف المزيد من المجرات في الكون.
فعل العلماء ذلك لأول مرة في منتصف التسعينيات باستخدام تلسكوب هابل الفضائي، الذي ركز على رصد بقعة معينة من السماء مثلت واحدا على 32 مليون جزء من السماء، والتي كان من المعروف أنها لا تحتوي على أي شيء تقريبا.
ومن خلال مراقبة تلك البقعة الصغيرة جدا من السماء، نتجت صورة “حقل هابل العميق” Hubble eXtreme Deep Field) XDF)، التي كشفت عن إجمالي ما يقرب من 5500 مجرة، مما مثل أعلى كثافة للمجرات تمت ملاحظتها على الإطلاق. وكانت هذه أفضل محاولة قام بها العلماء لرصد عدد مجرات الكون.
الخطوة التالية كانت هي تقدير عدد المجرات في الكون كله، وهي طريقة واحدة، إذ نأخذ الجزء من السماء الذي صوره التلسكوب. ثم باستخدام نسبة الجزء من السماء الذي تم تصويره إلى الكون بأكمله، يمكنك تحديد عدد المجرات في الكون.
ويمكن اتباع هذه الطريقة في التقدير نفسها، بافتراض أنه لا يوجد تباين كوني كبير، وأن الكون متجانس. يقول ماريو ليفيو، عالم الفيزياء الفلكية في معهد علوم تلسكوب الفضاء في بالتيمور بولاية ماريلاند (Space Telescope Science Institute in Baltimore, Maryland)، في تقرير منشور على موقع “سبيس” (Space) إن الكون متجانس وفقا للمبدأ الكوني الذي يعود إلى نظرية النسبية العامة لألبرت آينشتاين.
كما أنه، ووفقا لوكالة الفضاء الأميركية “ناسا” (NASA)، إذا نظرت إلى محتويات الكون فستظهر كما هي تقريبا في كل مكان وفي كل اتجاه. وهذا يعني أن المادة في الكون متجانسة، حتى عند حساب متوسطها على نطاقات كبيرة جدا، وهذا ما يسمى بالمبدأ الكوني.
يمكننا إذن تقدير عدد المجرات في الكون من خلال أخذ الرقم الذي لاحظناه في صورة “حقل هابل العميق” أي 5500 مجرة وضربه في عدد الصور التي قد نحتاجها لتغطية السماء بأكملها وهي 32 مليون صورة، مما سينتج عنه في النهاية 176 مليار مجرة في الكون.
ورغم ذلك، فإن هذا ليس تقديرا حقيقيا. هذا هو الحد الأدنى، إذ لا تظهر في هذا التقدير المجرات الخافتة جدا أو الصغيرة جدا أو القريبة جدا من المجرات الأخرى. كما أنه لا تظهر المجرات المحجوبة بالغاز المحايد والغبار في أي مكان، ولا تظهر المجرات الموجودة خارج قدرات الانزياح الأحمر لتلسكوب هابل.
تريليونا مجرة.. كيف؟
اليوم، يقدر العلماء أن هناك أكثر من 10 أضعاف عدد المجرات التي يستطيع هابل رؤيتها، أي حوالي تريليوني مجرة داخل الكون المرئي. ولكن كيف تم التوصل إلى هذا الرقم؟
وفقا لموقع بيج ثينك، فإن المكون الكبير الذي نحتاجه للتوصل إلى تقدير حقيقي هو كيف تتشكل البنية بدقة في الكون. إذا كان بإمكاننا تشغيل محاكاة تبدأ بالمكونات التي يتكون منها الكون، والشروط الأولية الصحيحة التي تعكس واقعنا، والقوانين الصحيحة للفيزياء التي تصف الطبيعة، يمكننا محاكاة كيفية تطور هذا الكون.
اللافت للنظر أنه عندما ننظر إلى المحاكاة التي تطابق البيانات المرصودة بشكل أفضل، نحصل على تقدير للعدد الحقيقي من المجرات الموجودة في كوننا المرئي، وهو تريليونَا مجرة.
وعند مقارنة هذا الرقم بالرقم الذي توصلنا إليه من صورة “حقل هابل العميق”، سنجد أن أكثر من 90% من المجرات داخل كوننا تفوق قدرات الكشف حتى لأعظم مرصد للبشرية.
يقول ليفيو إن علماء الفلك سيكونون أكثر قدرة على تحسين هذا الرقم المرصود من خلال تلسكوب جيمس ويب الفضائي (James Webb Space Telescope)، إذ إن تلسكوب هابل الفضائي يستطيع النظر إلى المجرات التي تشكلت بعد حوالي 450 مليون سنة من الانفجار العظيم، في حين يتوقع علماء الفلك أن بإمكانهم النظر إلى ما قبل 200 مليون سنة بعد الانفجار العظيم من خلال تلسكوب جيمس ويب. وفقًا لموقع “الجزيرة نت”.
المجرات الشبيهة بدرب التبانة
كشفت مجموعة دولية من علماء الفلك عن وجود عدد كبير من المجرات في الكون المبكر التي تشبه درب التبانة، أكثر مما كان يعتقد سابقا، وباستخدام تلسكوب جيمس ويب الفضائي (JWST)، اكتشف الفريق الدولي، بما في ذلك علماء في جامعة مانشستر وجامعة فيكتوريا في كندا، أن المجرات مثل مجرتنا درب التبانة تهيمن على جميع أنحاء الكون وهي شائعة بشكل مدهش.
وتعود هذه المجرات إلى تاريخ الكون البعيد، حيث تشكلت العديد من هذه المجرات قبل 10 مليارات سنة أو أكثر، ودرب التبانة مجرة حلزونية تنتمي إلى فئة المجرات القرصية التي لها شكل مشابه للقرص المضغوط.
ومن المعروف أنه في المجرات الحلزونية، يتجمع عدد كبير من النجوم معا على شكل قرص رفيع، مع انتفاخ كروي مركزي بداخله أجرام سماوية. وغالبا ما توجد في قرص المجرة أذرع مضيئة حيث تتركز النجوم الأصغر سنا والأكثر سطوعا.
ويُعتقد أن هذه المجرات هي الأكثر شيوعا في الكون القريب (الحديث)، وقد تكون أنواع المجرات التي يمكن أن تتطور فيها الحياة نظرا لطبيعة تاريخ تكوينها. ومع ذلك، اعتبر علماء الفلك سابقا أن هذه الأنواع من المجرات كانت هشة للغاية بحيث لم تكن موجودة في الكون المبكر (قبل حدوث الانفجار الكبير) عندما كانت عمليات اندماج المجرات أكثر شيوعا، ما أدى إلى ظهور تكوينات مجرية ذات هياكل غريبة وغير منتظمة. ووجد الاكتشاف الجديد، الذي نُشر اليوم في مجلة The Astrophysical Journal، أن هذه المجرات القرصية أكثر شيوعا بعشر مرات مما يعتقده علماء الفلك بناء على ملاحظات سابقة باستخدام تلسكوب هابل الفضائي.
وأبلغ العلماء عن اكتشاف مجرات حلزونية يعود تاريخها إلى وقت ما قبل ولادة الكون. وتتعارض هذه النتائج مع النظريات الحالية حول كيفية تطور المجرات في الكون على مدى العشرة مليارات سنة الماضية.
وقال كريستوفر كونسيليسي، أستاذ علم الفلك خارج المجرة في جامعة مانشستر: “باستخدام تلسكوب هابل الفضائي، اعتقدنا أن المجرات القرصية كانت شبه معدومة حتى كان عمر الكون نحو 6 مليارات سنة، وهذه النتائج الجديدة من تلسكوب جيمس ويب الفضائي تدفع الوقت الذي تتشكل فيه هذه المجرات الشبيهة بدرب التبانة إلى بداية الكون تقريبا”.
وتقلب الدراسة تماما الفهم الحالي لكيفية تفكير العلماء في تطور كوننا، ويقول العلماء إن الأفكار الجديدة بحاجة إلى النظر فيها.
وقال عالم الفلك ليوناردو فيريرا من جامعة فيكتوريا: “على مدار أكثر من 30 عاما، كان يُعتقد أن هذه المجرات القرصية كانت نادرة في بداية الكون بسبب المواجهات العنيفة الشائعة التي تعرضت لها المجرات. إن حقيقة عثور تلسكوب جيمس ويب الفضائي على الكثير منها هي علامة أخرى على قوة هذه الأداة وأن هياكل المجرات تتشكل في وقت مبكر في الكون، في وقت أبكر بكثير في الواقع مما توقعه أي شخص”.
وكان يُعتقد سابقا أن المجرات القرصية مثل مجرة درب التبانة كانت نادرة نسبيا عبر التاريخ الكوني، وأنها تشكلت فقط بعد أن كان الكون في منتصف العمر بالفعل.
وفي السابق، كان علماء الفلك الذين يستخدمون تلسكوب هابل الفضائي يعتقدون أن المجرات تمتلك في الغالب هياكل غير منتظمة وغريبة تشبه عمليات الاندماج. ومع ذلك، فإن القدرات الفائقة لجيمس ويب تسمح لنا الآن برؤية البنية الحقيقية لهذه المجرات لأول مرة.
ويقول العلماء إن هذه علامة أخرى على أن “البنية” في الكون تتشكل بشكل أسرع بكثير مما توقعه أي شخص.
وتابع البروفيسور كونسيليسي: “تُظهر نتائج تلسكوب جيمس ويب الفضائي أن المجرات القرصية، مثل مجرتنا درب التبانة، هي النوع الأكثر شيوعًا من المجرات في الكون. وهذا يعني أن معظم النجوم موجودة وتتشكل داخل هذه المجرات مما يغير فهمنا الكامل لكيفية تكوين المجرات. تشير هذه النتائج أيضا إلى أسئلة مهمة حول المادة المظلمة في الكون المبكر والتي لا نعرف عنها إلا القليل. وبناء على نتائجنا، يجب على علماء الفلك إعادة التفكير في فهمنا لتكوين المجرات الأولى وكيف حدث تطور المجرات على مدى العشرة مليارات سنة الماضية”. وفقًا لموقع “RT”.
المجرات الفوضوية
قالت دراسة جديدة، منشورة في دورية الجمعية الفلكية الملكية، إن المجرات تُصبح أكثر فوضوية مع تقدمها في العمر، إذ تبدأ الحياة بنجومها التي تدور بنمط منظم، لكن في بعض الأحيان تكون حركة النجوم أكثر عشوائية.
قبل نحو حوالي 13.8 مليار سنة، ومباشرة بعد الانفجار الكبير، بدأت المجرات في التشكل، في ذلك التوقيت كانت المادة موزعة بشكل غير متساو، إذ كانت المناطق الأكثر كثافة تحتوي على كتلة أكبر، ثم تسببت قوى الجاذبية في جذب المناطق الأكثر كثافة لمزيد من المادة، مما أدى إلى تكوين هياكل أكبر. ومع استمرار المادة في التجمع في مناطق كثيفة، بدأت السحب المجرية الأولية في التشكل، وتتكون هذه السحب بشكل أساسي من غاز الهيدروجين والهيليوم، بالإضافة إلى مجموعة أخرى من العناصر. داخل هذه السحب المجرية الأولية، تشكلت مناطق ذات كثافة أعلى، تُعرف باسم السحب الجزيئية، وأدى انهيار الجاذبية داخل هذه السحب إلى تكوين النجوم، والتي بدأت تتجمع معاً بسبب الجاذبية، وبمرور الوقت، اندمجت هذه العناقيد، ونمت لتشكل الهياكل المجرية التي نلاحظها اليوم. وتتضمن عملية تجميع المجرات العديد من عمليات الاندماج والتفاعلات، وتراكم الغاز والنجوم من البيئة الكونية المحيطة.
في المراحل الأولى من تكوينها، تظهر المجرات عادةً دوراناً منتظماً وموحداً للنجوم المكونة لها، لكن في بعض الحالات، تفسح هذه الحركة المنظمة المجال لنمط أكثر فوضوية وعشوائية داخل المجرة، في حين أن العديد من المجرات تحافظ على حركة دورانية متماسكة أثناء تطورها، فإن بعضها يخضع لعمليات تعطل هذا السلوك المنظم، مما يؤدي إلى توزيع أكثر عشوائية للسرعات النجمية.
عشوائية حركة النجوم
ويمكن أن ينشأ هذا الانحراف عن الدوران المنتظم من عوامل مختلفة، بما في ذلك تفاعلات الجاذبية مع المجرات المجاورة، أو الاندماج مع الهياكل المجرية الأخرى، أو الديناميكيات الداخلية مثل تأثير كتلة المجرة أو التفاعلات مع المادة المظلمة، ونتيجة لذلك، يمكن للمجرات أن تعرض مجموعة واسعة من أنماط الحركة، مما يعكس الطبيعة المتنوعة والديناميكية للتطور الكوني.
وتقترح بعض النظريات السابقة أيضاً أن البيئة المحيطة بالنجوم أو كتلة المجرة نفسها هي ما تُسبب عشوائية حركة النجوم؛ إلا أن الدراسة الجديدة وجدت أن العامل الأكثر أهمية ليس أياً من هذه الأشياء، إذ توضح أن ميل النجوم إلى الحركة العشوائية يرجع في الغالب إلى عمر المجرة “فالأشياء تصبح فوضوية بمرور الوقت”.
ويقول المؤلف الرئيسي للدراسة سكوت كروم، وهو باحث في جامعة سيدني، إن العمر يظهر باعتباره العامل الأهم الذي يؤثر على حركة النجوم داخل المجرات، ويتفوق باستمرار على العوامل الأخرى.
من خلال التحليل الدقيق، اكتشف فريق البحث أنه بمجرد أخذ تأثير العمر في الاعتبار، فإن الظروف البيئية وكتلة المجرة تظهر تأثيراً ضئيلاً على أنماط الحركة النجمية، ويتحدى هذا الاكتشاف الافتراضات السابقة، ويؤكد أهمية عمر المجرات في تشكيل ديناميكياتها.
وسواء كانت تقع في مجموعات كثيفة، أو في فراغات معزولة، وجد الباحثون أن المجرات الصغيرة تظهر في الغالب حركة دورانية متماسكة، في حين تميل المجرات القديمة إلى إظهار مدارات نجمية غير منتظمة وعشوائية. ويشير هذا إلى وجود صلة أساسية بين عمر المجرة وتنظيم الحركة النجمية، متجاوزاً التغيرات البيئية ما يسلط الضوء على الدور المحوري للعمر في تطور المجرة. وتسلط الدراسة الضوء أيضاً على جانب مثير للاهتمام في مجرتنا، درب التبانة، التي تمتلك قرصاً رقيقاً لتكوين النجوم وميزة أقل بروزاً تُعرف باسم القرص السميك.
وفي حين أن القرص الرقيق هو العنصر المهيمن، والذي يؤدي بشكل فعال إلى ظهور نجوم جديدة، فإن القرص السميك يتكون من نجوم أقدم. ومن المحتمل أن تكون هذه النجوم الأقدم في القرص السميك قد نشأت من القرص الرقيق، ولكنها خضعت لعمليات تسخين مع مرور الوقت، ربما بسبب التفاعلات مع الأجرام السماوية الأخرى أو الظروف المضطربة في الكون المبكر.
ونتيجة لذلك، يُظهر القرص السميك خصائص مميزة، مثل نسبة أعلى من النجوم الأقدم وحركة أكثر اضطراباً، على النقيض من الحركة المنظمة نسبياً التي تظهر في القرص الرقيق.
ويمكن أن يوفر هذا الهيكل ثنائي القرص داخل مجرة درب التبانة رؤى قيمة عن التاريخ التطوري للمجرة، والعمليات المتنوعة التي تشكل مجموعاتها النجمية.
استخدم الباحثون بيانات تم جمعها من مسح “SAMI Galaxy”، ومن خلال الاستفادة من مجموعة البيانات الشاملة هذه؛ تُمكن الدراسة فرق البحث من دراسة الآليات المحتملة المختلفة، وتحسين النماذج التي تهدف إلى توضيح المسار التطوري للكون.
وستتضمن المرحلة التالية من البحث تطوير عمليات محاكاة لتطور المجرات، إذ يؤكد “كروم” على التحدي المتمثل في تحقيق الدقة المطلوبة في عمليات المحاكاة للتنبؤ بدقة بالظواهر المعقدة التي تحدث داخل أقراص المجرات، مشدداً على الحاجة إلى التقدم في التقنيات الحسابية لمعالجة هذا القيد. وفقًا لموقع “الشرق للأخبار”.
ولادة ثلاث من المجرات الأولى
تمكن العلماء لأول مرة في تاريخ علم الفلك، من ملاحظة ولادة ثلاث من المجرات الأولى في الكون. وشهد فريق معهد نيلس بور، وهو مركز أبحاث تابع لجامعة كوبنهاغن، لأول مرة، توثيق عملية الولادة “مباشرة” لثلاث من أقدم المجرات على الإطلاق في الكون، منذ ما بين 13.3 و13.4 مليار سنة، باستخدام تلسكوب جيمس ويب الفضائي.
ومن خلال رؤية التلسكوب بالأشعة تحت الحمراء، تمكن العلماء من تمييز كميات كبيرة من الهيدروجين المتراكم حول مجرة صغيرة في عملية التكوين. وعلى الرغم من أن عملية ولادة المجرات كانت معروفة بالفعل من خلال النظريات والمحاكاة الحاسوبية، إلا أنه حتى الآن لم يلاحظها أحد “فعليا”. وبالإضافة إلى ذلك، كان هذا هو أبعد قياس تم إجراؤه حتى الآن لهذا الغاز البارد المحايد، والذي يشكل المكون الرئيسي للنجوم والمجرات.
وقال كاسبر إلم هاينتز من معهد نيلس بور الذي قاد الدراسة: “يمكن القول إن هذه هي الصور المباشرة الأولى التي رأيناها على الإطلاق لتكوين المجرات”. وأشار إلى أنه “بينما أظهر لنا جيمس ويب في السابق مجرات مبكرة في مراحل لاحقة من تطورها، فإننا نشهد هنا ولادتها، وبالتالي بناء أول أنظمة نجمية في الكون”.
ويقدر العلماء أن ولادة المجرات الثلاث قد حدثت بعد ما يقارب 400 إلى 600 مليون سنة من الانفجار الكبير. وفي حين أن هذا يبدو وكأنه وقت طويل، فإنه يتوافق مع المجرات التي تشكلت خلال أول 3% إلى 4% من عمر الكون الإجمالي البالغ 13.8 مليار سنة.
وبعد وقت قصير من الانفجار الكبير، كان الكون عبارة عن غاز معتم هائل من ذرات الهيدروجين، على عكس اليوم، حيث تتناثر السماء ليلا بغطاء من النجوم المحددة جيدا.
يوضح البروفيسور المشارك داراش واتسون: “خلال بضع مئات الملايين من السنين بعد الانفجار الكبير، تشكلت النجوم الأولى، قبل أن تبدأ النجوم والغاز في الاندماج لتكوين المجرات. وهذه هي العملية التي نرى بدايتها في ملاحظاتنا”.
وحدثت ولادة المجرات في وقت من تاريخ الكون يُعرف باسم عصر إعادة التأين، عندما اخترقت طاقة وضوء بعض المجرات الأولى سحب غاز الهيدروجين.
وهذه الكميات الكبيرة من غاز الهيدروجين هي التي التقطها العلماء باستخدام رؤية الأشعة تحت الحمراء لتلسكوب جيمس ويب الفضائي. وهذا هو القياس الأبعد لغاز الهيدروجين البارد المحايد، وهو لبنة بناء النجوم والمجرات، والتي اكتشفها العلماء حتى الآن. وفقًا لموقع “RT”.
مجرة ميتة
كشف التلسكوب جيمس ويب منذ دخوله الخدمة عام 2022 مفاجآت عديدة عن الكون في مراحله المبكرة. والآن، يمكن إضافة مفاجأة أخرى، وهي رصد مجرة كانت “ميتة” بالفعل حينما كان عمر الكون لا يتعدى خمسة بالمئة من عمره الحالي.
وقال علماء إن التلسكوب رصد مجرة توقفت عن تكوين النجوم بالفعل منذ نحو 13.1 مليار عام. ورُصدت مجرات كثيرة ميتة على مدى الأعوام، لكن هذه هي الأقدم بحوالي 500 مليون عام.
وقال توبياس لوسر عالم الفيزياء الفلكية من معهد كافلي لعلم الكون بجامعة كامبريدج والمعد الرئيسي للدراسة المنشورة في دورية (نيتشر) العلمية “يبدو أن المجرة عاشت حياة سريعة وعنيفة ثم توقفت عن تكوين النجوم بسرعة شديدة”.
وأضاف “في أول بضع مئات ملايين الأعوام من تاريخه، كان الكون عنيفا ونشيطا، وكان الغاز وفيرا لتزويد عملية تكوين النجوم بالطاقة في المجرات، وذلك يجعل هذا الاكتشاف محيرا ومثيرا للاهتمام للغاية”. وبعد توقف المجرات عن تكوين النجوم، تصبح أشبه قليلا بمقبرة نجمية.
موت النجوم الحالية
وقال فرانشيسكو دي يوجينو عالم الفيزياء الفلكية بمعهد كافلي “بمجرد انتهاء تكوين النجوم، تموت النجوم الحالية ولا تُستبدل. يحدث هذا بصورة هرمية، مرتبة حسب الوزن النجمي، لأن النجوم الأكبر كتلة هي الأكثر حرارة والأكثر بريقا، ونتيجة لذلك تكون الأقصر عمرا”.
وأضاف دي يوجينو “مع أفول النجوم الأكثر حرارة، يتغير لون المجرة من الأزرق، وهو لون النجوم الساخنة، إلى الأصفر ثم الأحمر، وهو لون النجوم الأصغر كتلة”.
وتابع “تعيش نجوم بكتلة الشمس نحو عشرة مليارات سنة. إذا توقفت هذه المجرة عن تكوين النجوم في وقت رصدنا إياها، فلن تكون ثمة نجوم شبيهة بالشمس متبقية فيها في اللحظة الحالية. لكن يمكن لنجوم أصغر بكثير من كتلة الشمس أن تعيش لتريليونات السنين، لذا، يتسنى لها مواصلة البريق لوقت طويل بعد توقف تكوين النجوم”.
وحدد الباحثون أن هذه المجرة مرت بفورة من تكوين النجوم استمرت من 30 إلى 90 مليون سنة ثم توقفت فجأة. ويحاولون اكتشاف السبب.
ويقول الباحثون إن ذلك ربما يكون مرده إلى تأثير ثقب أسود فائق في مركز المجرة أو إلى ظاهرة اسمها “التغذية المرتدة”، وهي دفقات من الطاقة تنبعث من النجوم الحديثة التكوين، دفعت الغاز اللازم لتكوين نجوم جديدة إلى خارج المجرة.
وقال لوسر “وبدلا عن ذلك، يمكن استهلاك الغاز بسرعة شديدة من خلال تكوين النجوم، من دون التزود الفوري بغاز جديد من محيط المجرة، مما يؤدي إلى موت المجرة”.
وفي الدراسة الجديدة، تمكن الباحثون من رصد المجرة الميتة خلال لحظة ما من الزمن. وذكروا أن من المحتمل أنها لاحقا استأنفت تكوين النجوم.
وقال دي يوجينيو “قد تخضع بعض المجرات لعملية تجديد، إذا تمكنت من العثور على غاز جديد لتحويله إلى نجوم جديدة. نحن لا نعرف المصير النهائي لهذه المجرة. وقد يعتمد هذا على الآلية التي تسببت في توقف تكوين النجوم”. نقلاً عن “العربية”.
عمر الكون أقدم بكثير مما يعتقد
استنتج فريق دولي من العلماء أن عمر الكون يمكن أن يقدر بـ26 مليار سنة، وليس بـ17 مليار سنة تقريبا كما يعتقد الآن.
أضيفت منذ عامين إلى قائمة الـ4 المجرات التي تم رصدها على حافة الكون بواسطة تلسكوب “جيمس ويب” الفضائي مجرة خامسة، وهي ZF-UDS-7329. وأطلق على جميعها تسمية “المجرات المستحيلة”. وذلك بحسب العلماء من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأستراليا وسويسرا وألمانيا والدنمارك في مقال نشرته مجلة Nature.
وتقع جميع المجرات المكتشفة على مسافة أكثر من 13 مليار سنة ضوئية من الأرض. ويتجلى ذلك من خلال ما يسمى بالانزياح الأحمر، ويعني ذلك أن هذه المجرات تشكلت في فجر الكون، أي بعد بضع مئات الملايين من السنين فقط من الانفجار الكبير، الذي تسبب، كما يعتقد، في ولادة الكون.
يذكر أن الكاميرا الحساسة (NIRCam) التابعة لتلسكوب “جيمس ويب” تكتشف الأشعة تحت الحمراء القادمة من الأجرام الفضائية البعيدة، والتي تصل إلينا بشكل مشوّه. وكقاعدة عامة، يتم نقلها إلى المنطقة الحمراء من الطيف. وتسمى هذه الظاهرة الانزياح الأحمر.
ويعتقد أن الانزياح الأحمر يظهر نتيجة لتوسع الكون. وعلى سبيل المثال فإن المجرات تبتعد وتنتشر بعد الانفجار الكبير. وكلما ابتعدت المجرة كلما زادت سرعة ابتعادها وزاد الانزياح الناتج عن ذلك.
وفقا للأفكار السائدة حاليا، فإن الانفجار الكبير وقع منذ 13.8 مليار سنة. لذلك، كانت تلك المجرات الخمس التي أرسل التلسكوب صورها، من بين أولى المجرات التي ظهرت عندما كان الكون في مهده. ومع ذلك، فإنها تبدو أكبر سنا بكثير، كما لو أنها تطورت منذ مليارات السنين.
وعلى سبيل المثال، فإن مجرة ZF-UDS-7329 أكبر من مجرة درب التبانة التي تحتوي على مئات المليارات من النجوم. فكيف يمكن أن يظهر هذا العدد الهائل من النجوم خلال مئات الملايين من السنين فقط؟
ويعتبر علماء الفيزياء الفلكية ZF-UDS-7329 مجرة مستحيلة شأنها شأن “أخواتها” البعيدة والهرمة، لأنها لا تتناسب مع أفكارهم حول الكون.
وافترض راجندرا غوبتا الأستاذ في جامعة أوتاوا الكندية منذ عامين، وقبل اكتشاف المجرة الخامسة “المستحيلة” أن السبب قد يكمن في أن الكون أقدم بكثير مما يعتقد. وقال أن عمره ربما ليس 13.8 مليار سنة، وقد يكون حوالي 26.7 مليار سنة. وفي الكون “القديم” كان من الممكن أن يكون لدى المجرات والنجوم “المستحيلة” الوقت الكافي للتشكل والتطور.
وإن الانزياح الأحمر المرصود، حسب غوبتا، قد لا يشير إلى معدل توسع الكون، بل إلى المسافة التي يقطعها الضوء، كما لو أنه يتقدم في العمر على طول الطريق وينتقل إلى الجانب الأحمر من الطيف. يذكر أن الفرضية المتعلقة بشيخوخة الضوء تم طرحها من قبل عالم الفلك السويسري فريتز زويكي في عام 1929. نقلاً عن “RT”.
أعلن فريق بحثي مشترك من عدة جامعات يابانية عن اكتشافه أقدم مجرة حلزونية في تاريخ الكون إلى الآن، الأمر الذي يمكن أن يساعد في إيجاد إجابات لواحد من أهم أسئلة علم الكونيات الآن؛ كيف ومتى بالضبط تكوّنت المجرات الحلزونية بعد الانفجار العظيم؟
للمجرات أنواع عدة، منها مثلا المجرات البيضاوية، وتعد أقدم المجرات عمرا، ومنها كذلك المجرات غير المنتظمة التي لا تتخذ شكلا محددا، ومنها المجرات الحلزونية التي تشبه مجرتنا “درب التبانة”، وتكون لها نواة مركزية بارزة، تحيط بها أذرع تدور حولها.
تاريخ سحيق
وللتوصل لتلك النتائج -التي نُشرت بدورية “ساينس” (Science) وأُعلن عنها في بيان رسمي- استخدم الباحثون مصفوفة مرصد “أتاكاما المليمتري/ تحت المليمتري الكبير، أو اختصارا “مرصد ألما” (ALMA)، وهي عبارة عن مصفوفة من 66 تلسكوب راديوي بأقطار تتراوح بين 7 و12 مترا، تتواجد في صحراء أتاكاما شمالي دولة تشيلي.
وباستخدام “ألما”، تبيّن للفريق البحثي أن هذه المجرة تقع على مسافة حوالي 12.4 مليار سنة ضوئية، الأمر الذي يعني أنها تواجدت بعد الانفجار العظيم فقط بحوالي 1.5 مليار سنة ضوئية، ما يجعلها أقدم المجرات الحلزونية في تاريخ الكون إلى الآن.
ومع بحث متقدم تمكن الفريق البحثي من استكشاف أبعاد وخصائص المجرة، التي سميت ” بي آر آي 1335-0417″ (BRI 1335-0417)، حيث تبيّن أن أذرعها تمتد حوالي 15 ألف سنة ضوئية فقط من مركز المجرة (مقارنة بأكثر من 50 ألف سنة ضوئية لمجرتنا درب التبانة).
أسئلة كثيرة
وبحسب الدراسة، تبين كذلك أن هذه المجرة تحتوي من الغاز والنجوم المكدسة ما يساوي كتلة درب التبانة، الأمر الذي دفع الباحثين للتساؤل؛ كيف يمكن لمجرة حلزونية واضحة الملامح بكتلة كبيرة كهذه أن تتواجد في هذه الفترة المبكرة جدا من تاريخ الكون؟
ويقترح الفريق البحثي أن الإجابة عن هذا السؤال تتعلق بأن المجرة BRI 1335-0417 كانت بالفعل أصغر من ذلك، لكنها تعرضت لالتحام بمجرة أصغر، وهو ما أضاف لكتلتها.
وتتأكد تلك الفرضية بعدة ملاحظات في طبيعة المجرة، حيث بدا للباحثين أنها أنشط من المعتاد بالنسبة لمجرات كهذه، كذلك فإن النجوم في أطرافها الخارجية تتحرك بانسيابية أكبر من المعتاد، وهذه العلامات عادة ما تشير إلى التحام قريب بمجرة أخرى، ربما قبل عشرات إلى مئات الملايين من الأعوام.
لكن على الرغم من كل تلك الدلائل، فإنه لا يزال من المستغرب -بالنسبة لهذا الفريق البحثي- أن تتكون مجرة بذلك الحجم وتلك الهيئة الحلزونية في فترة قصيرة من الزمن.
ويأمل باحثو هذا الفريق الياباني أن تساعد أبحاث مستقبلية في إماطة اللثام عن حقائق هذا اللغز، خاصة أن فهم تطور الأذرع الحلزونية سيوفر بالتبعية فهما أفضل للبيئة التي نشأ وترعرع فيها النظام الشمسي، حيث إنه يقع في أحد أذرع مجرة درب التبانة.