كتب إبراهيم سبتي: تشكل ظاهرة الغش في الامتحانات، من أسوأ الظواهر التي تمس هيبة العملية التعليمية والأخلاقية والشخصية.
وهي حالة سلبية وآفة ظلت تُكافح على مرّ الزمن، ومهما بلغت من تنوع في الأساليب والطرق، وأغلب الأسباب في اعتقادي بأن الطالب الغشاش يعاني حالة من الارتباك والقلق والخوف من الامتحان، وخشية الفشل أمام زملائه وعائلته ومدرسته.
إضافة إلى ضعف ثقته بنفسه، فكلما يبذل جهداً في التحضير والقراءة للامتحان، يعتقد بأن الآخرين أفضل منه بكثير مهما فعل وأنه أقل شأناً منهم. فيلجأ إلى الغش لاختصار الزمن والحصول على درجة تضمن له النجاح غير المستحق وغير المشروع ويصل إلى أمنيته بالتساوي مع أقرانه كما يتصور ،وهو خاطئ طبعاً بفعلته هذه.
لقد قام بعمله هذا بفعل مشين ومستهجن، لكنه ربما يتفاخر أمام زملائه ويتباهى بأنه استطاع أن يمرر غشه دون اكتشافه، وأنه لا يعلم بارتكابه أكبر خيانة لتربيته ولأسرته ولنفسه ولمدرسيه ولأخلاقه ولمجتمعه، إن الطالب الذي يلجأ لحالة الغش، مؤكد أنه بحاجة لمراقبة أبوية مشددة وهي الأهم عن طريق معرفة طرق تربيته وعدم تركه يتصرف لوحده كيفما يشاء، وهذه أول الطرق في التربية الصحيحة، ومن ثم تأتي المدرسة في المرتبة الثانية لتمنحه العلم والتربية المكملة ومن ثم المجتمع.
إن ظاهرة الغش هي ظاهرة يُغذيها من يريد أن يتجاوز الطرق التعليمية والتربوية الصحيحة إلى طرق سلبية، لا يمكن أن تصنف إلا كحالة مرفوضة. والمعروف أن اللجوء إلى الغش لا يقدم عليه أي طالب، بل ذلك الذي يشعر بالخوف والقلق وأنه حتماً ضعيف الشخصية، لأنه لا يستطيع أن يرسم هدف النجاح أمامه مثل زملائه. ولو تعمقنا في شخصيته سنجد أنه يخاف من الفشل في الامتحان، وبالتالي الرسوب ويمكن أن يُعيد سنة دراسية كاملة نتيجة رسوبه، فخوفه من حصول ذلك يلجأ إلى الغش، الذي في نظره إنقاذ له وتغطية لفشله على مدار العام الدراسي. إن الرعاية الأبوية تكمن في تصوير حالة الغش بأنها حالة مزرية مشينة وزرع الثقة بنفس الطالب، عن طريق بيان الحالات الصحيحة من الحالات السلبية المعيبة المنبوذة.
ولا يمكن أن نلقي اللوم كله على المدرسة لوحدها في تربية الطالب، فالعائلة هي الركيزة في ميزان التربية والأخلاق مما يُسهّل من دور المدرسة في القيام بواجباتها الأخرى.. إن التعاطي مع عملية الغش وخاصة بعد التطور التقني في هذه الصفة الذميمة، تحتاج إلى رقابة شديدة داخل القاعة الامتحانية من قبل التربوي المراقب، وإن أمكن وضع جهاز يُفشل ما يحمله الطالب الغشاش. ولو أنها ما زالت محدودة الاستخدام ونأمل أن لا تصبح ظاهرة بفعل تشديد الرقابة التربوية للأستاذ الذي مهمته ليست العثور على الغش حسب، بل عدم وقوعه داخل القاعة أصلاً..
إن التربية الحديثة هي تربية درس وعلم ومستقبل وثقة بالنفس، ومحورها هو المعلم بالدرجة الأساس ومن ثم المدرسة، لكن قبل ذلك تكمن أهمية العائلة والأسرة التي تعتبر الانطلاقة الأولى للحياة خارج المنزل. فالشروع ببناء مستقبل واعد تأتي من الوالدين، وبعدها تأتي قابلية الطالب وموهبته ومدى تقبله للدرس، ثم المكملات الأخرى مثل المنهج والمعلم والمدرسة والتي باتت تعتبر هي الأولى في الترتيب العلمي والحث على تقوية التحصيل الدراسي والتفوق.
فالغش ظاهرة لا يساندها إلا من كان ضعيفاً وكسولاً ولا يعرف أهمية ومعنى النجاح الحقيقي. وهي أولاً وأخيراً ظاهرة مرفوضة أخلاقياً وغير مشروعة مهما كانت حالة الغشاش الذي يمارسها. وبودنا أن نرى طلابنا جميعاً وقد جلسوا في قاعة الامتحان، وهم يعكسون مسؤوليتهم تجاه مستقبلهم بكل ثقة ومعرفة، وتجاه من ينتظرهم بشوق في البيت والمدرسة.