كتب محمد صالح صدقيان: كان من المفترض أن اكتب هذا الاسبوع عن الانتخابات الايرانية، التي تضمنت انتخابات مجلس الشوری البرلمان في دورته الثانية عشرة، وانتخابات مجلس خبراء القيادة، لكني سأرجئ تناول هذه الانتخابات للاسبوع المقبل.
لتناول نتائج هذه الانتخابات، التي تجری وسط تحديات داخلية وخارجية علی خلفية المشكلات الاقتصادية، التي تعانيها ايران جراء العقوبات، التي تتعرض لها من قبل الولايات المتحدة وحاجة ايران الاستعداد لمواجهة نتائج الانتخابات الامريكية الرئاسية، التي تجری في نوفمبر القادم اضافة الی نسبة المشاركة، الذي يعتبر مؤشرا مهما لمدی دعم الناخب الايراني للنظام السياسي الذي يعيش في اطاره.
وفي موضوع لايبتعد كثيرا عن هذا الملف وتداعياته الداخلية والاقليمية تعيش منطقة الشرق الاوسط تطورات أمنية، يصفها البعض “مصيرية” علی خلفية النتائج، التي تتمخض عنها وتأثيرات هذه النتائج علی مجمل الأوضاع في المنطقة، بما في ذلك القضية الفلسطينية، التي ما زالت تشكل بؤرة التوتر في هذا الإقليم منذ عقود، دون أن تنجح القوی الكبری وتحديدا الولايات المتحدة من إيجاد، حل لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني، الذي يرزخ تحت نير الاحتلال طوال العقود السبعة الاخيرة، بسبب الدعم اللامحدود الذي ابدته هذه القوی للكيان الاسرائيلي، والذي تجسد بشكل واضح بعد السابع من اكتوبر بشكل لا يقبل الشك والترديد، حيث تمسكت الإدارة الامريكية، ومعها بقية الدول الغربية بالرواية الإسرائيلية، التي رسمها نتنياهو سواء ما حدث في يوم السابع من اكتوبر، أو ما يحدث بعد ذلك اليوم من اجتياح اسرائيلي، ما زال مستمرا لقطاع غزة المحاصر، الذي لم يجد سكانه مكانا لدفن ضحاياهم، بعد أن وصلت اعداد القتلی الی حاجز 30 ألفا نصفهم من الأطفال.
ما حدث في السابع من اكتوبر له أسبابه المتعددة فمنها ما يرتبط بالاحتلال وعدوانيته علی الشعب الفلسطيني من حصار، وتنكيل وقتل وارهاب ومنه ما يرتبط بالعوامل والظروف الخارجية، التي تتعلق بآلية تعاطي الولايات المتحدة مع الاوضاع والملفات، التي تخص منطقة الشرق الأوسط ولربما المجتمع الدولي بأسره.
لقد قام الرئيس الامريكي دونالد ترامب بالانسحاب من “الاتفاق النووي” عام 2018 استجابة للوعود، التي اعطاها لبعض الدول الاقليمية وللكيان الاسرائيلي لاسباب تتعلق بهذا الاتفاق لانه “سيیء” كما عبر عنه دون أن يعطي تفاصيل أكثر، لكن الواضح كان استياء رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو من هذا الاتفاق، الذي لم يمر عبر النافذة الاسرائيلية لضمان “الأمن
الاسرائيلي”.
لا أريد الخوض في الاتفاق وبنوده وتاثيره في الأمن والاستقرار في المنطقة، لكن انخراط دول مجلس الامن الدولي، وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا، اضافة إلی ألمانيا، والتي شكلت مجموعة 5+ 1 كانت من المناسبات النادرة في المجتمع الدولي، وفي تاريخ مجلس الامن الدولي لحل نزاع دولي اقليمي بعد الحرب العالمية الثانية؛ حيث استند هذا الحل علی إرادة لإعضاء مجلس الأمن، الذي يعني بإحلال السلام في المجتمع الدولي والذي احتضن الاتفاق مع ايران بالقرار 2231 في 20 يوليو تموز من العام 2015.
انسحاب الولايات المتحدة من هذا الاتفاق لم يقضِ عليه، فحسب وانما وجه ضربة قوية لمجلس الامن الدولي وللمجموعة الدولية التي احتضنته في حل النزاعات الدولية وتسويتها بالوسائل السلمية؛ الأمر الذي زرع فايروسة النزاع داخل هذا المجلس، الذي وصل راهنا لهيكل عظمي يفتقد لقدرة معالجة المشكلات، التي تتعلق بالسلام في العالم خصوصا بعد نشوب الحرب الأوكرانية، حيث اصبحت روسيا وهي عضو دائم في هذا المجلس طرفا نديا للولايات المتحدة.
ويسود الاعتقاد أن منصة مجلس الامن الدولي زرع فيها داء التصدع منذ انسحاب الولايات المتحدة من “الاتفاق النووي”، واستمرت عندما نشبت الحرب الاوكرانية، وكان من تداعياتها ما حدث في السابع من اكتوبر في داخل الاراضي الفلسطينية ولازالت الخيارات مفتوحة بما في ذلك تداعيات الانتخابات الرئاسية الامريكية.
واذا ما فاز المرشح دونالد ترامب بالانتخابات الامريكية؛ هل أنه يريد إعادة الاعتبار لمجلس الامن الدولي أم أنه يريد إعادة صياغته، بشكل اخر كما يتحدث راهنا عن حلف شمال الاطلسي “الناتو”؟.
إن خطوة الانسحاب من الاتفاق النووي، الذي اقدمت عليها الولايات المتحدة تتناقض مع المهمة الاساسية لمجلس الامن الدولي، وهي احلال السلام في المجتمع الدولي وهي بالتاكيد لم تجعل المنطقة ولا العالم اكثر امنا بل انها وضعت هذه المنطقة، التي تقف علی صفيح ساخن في مواجهة عديد التحديات والاحتمالات ؛ وهي بالتاكيد لن تكون كما كانت قبل السابع من اكتوبر مهما كانت نتائج الحرب التي يشنها الكيان الاسرائيلي ضد المدنيين في غزة.
ولا يمكن استبعاد هذه الخطوة عن ظروف نشوب الحرب الاوكرانية ولا عن امكانية تفاهم مجلس الامن الدولي لايقاف هذه الحرب التي وضعت الدول الاوربية امام تحد امني واقتصادي وسياسي، قل نظيره في التاريخ الحديث وتحديدا بعد الحرب العالمية الثانية.
إن الظروف التي يمر بها مجلس الامن الدولي نتيجة الهيمنة وعدم احترام هذه المؤسسة الدولية تنسجم مع التوقعات والنظريات التي تتحدث عن النظام العالمي الجديد، الذي يريد التغير الجذري في الفكر السياسي العالمي وتوازن القوى على الساحة الدولية لتعريف وفهم ومعالجة المشكلات، التي يواجهها العالم والتي يخرج حلها عن سعة الدول بمفردها ويتطلب تنسيقاً بين دول العالم.