الصهيونية مذهب سياسي يحمل تصوراً منحازاً وتحبيذيا/ تفضيليا لجماعة بشرية محددة بدلالة ديانتها اليهودية، ويوظف لخدمتها حزمة من المزاعم والحجج على حساب مصالح، بل وحتى على حساب وجود الجماعات البشرية الأخرى كلها.
كتب أ.د عامر حسن فياض: بفضل طوفان الأقصى تعيش الصهيونية اليوم حاضرا تعيسا ومستقبلا غامضا، فما هي حقيقة جذور الصهيونية؟ اليهودية ديانة سماوية توحيدية قديمة، سبقت الديانتين المسيحية والاسلامية، واعتنقتها مجموعة اجتماعية اصلية (العبرانيين)، عاشت عبر التاريخ مشتتة منتشرة بين مجتمعات مختلفة شرقاً وغرباً، ثم اعتنقتها لاحقا مجموعات بشرية أخرى مستقرة في أقاليمها الاصلية، بعد أن وصلت إليها تلك الديانة بطريقة أو باخرى
مثل بلاد الخزر في أواسط اسيا بجوار بحر قزوين، ويهود الفلاشا في افريقيا ممن لا تربطهم بهذه العقيدة الدينية ومعتنقيها الأوائل إلا رابطة الايمان بعقيدة توحيدية. ولكن هذه الديانة ارتبطت على المستوى السياسي أواخر القرن التاسع عشر بالفكرة الصهيونية، ثم الحركة الصهيونية ثم الدولة الصهيونية، التي جعلت من الدين أساسا لإحدى التجارب القومية العنصرية التوسعية في العصر الحديث والمعاصر، ولعل مما يجب التذكير به هنا هو ضرورة التمييز بين:
أولا: اليهودية كديانة سماوية والصهيونية كحركة سياسية، حيث يمكن أن يكون الإنسان يهوديا من دون أن يكون صهيونيا، مثلما يمكن أن يكون صهيونيا من دون أن يكون يهوديا.
ثانيا: الابعاد الثلاثة للظاهرة الصهيونية وهي:
إن الصهيونية مذهب سياسي يحمل تصوراً منحازاً وتحبيذيا/ تفضيليا لجماعة بشرية محددة بدلالة ديانتها اليهودية، ويوظف لخدمتها حزمة من المزاعم والحجج على حساب مصالح، بل وحتى على حساب وجود الجماعات البشرية الأخرى كلها.
إن الصهيونية مذهب سياسي نشأت عنه حركة سياسية تهدف إلى تأمين متطلبات هجرة، ثم استيطان جماعة بشرية محددة بدلالة ديانتها اليهودية في إقليم جغرافي تقيم عليه جماعة بشرية اخرى مختلفة محددة بدلالة اعتناقها الديانتين المسيحية والاسلامية، تمهيدا للاعتراف بالوجود الدائم والمستقل للجماعة المهاجرة على أرض تزعم أنها خاصة بها، والاقرار بحقها في إنشاء كيانها السياسي القومي على هذه الأرض.
إن الصهيونية مذهب سياسي، ثم حركة سياسية، نشأ عنهما كيان سياسي باتت أهدافه وسياساته تمثل قوة ضاغطة مؤثرة في الاوضاع والسياسات الاقليمية والدولية.
واذا كانت الصهيونية تندرج في إطار التصورات الفكرية القومية السياسية التي نشات في الغرب الاوربي منذ القرن الثامن عشر، وقامت على افتراض حق كل جماعة تملك وجودا ومستوى معينا من الشعور والتفكير القوميين في التعبير عن ذاتها، القومية الاجتماعية الواحدة بإرادة قومية سياسية واحدة، وأن تمارس تلك الجماعة القومية حقوقها في كيان سياسي قانوني، يتمتع بالسلطة والسيادة على اقليم جغرافي معين، فإن الصهيونية تمتلك ايضا منظورها الفكري التاريخي السابق على افكار الصحفي النمساوي – المجري الاصل واليهودي الديانة (تيودور هرتزل 1860- 1904م) الذي أنشأها في نهاية القرن التاسع عشر، وينعكس ذلك المنظور في عنصرين هما:
ضمان استمرارية الثقافة اليهودية.
ضمان احتفاظ المجتمعات اليهودية المغلقة (الغيتوات) بخصوصيتها واستمرارها وعدم ذوبانها في المجتمعات التي تعيش فيها.
ثم جاءت مساهمة هرتزل الفكرية لتنقل هذا المنظور من مرحلة الوجود الفكري إلى مرحلة العمل التنفيذي الفعلي. ولعل هذا ما يفسر مسألتين:
المسألة الأولى: إن تاريخ ولادة الصهيونية السياسية، بوصفها مشروعاً سياسياً لإقامة دولة قومية لليهود على أرض فلسطين جاء متأخراً عن تاريخ ولادة اغلب المشاريع السياسية المعاصرة، وخصوصا المشاريع القومية السياسية الأوروبية.
المسألة الثانية: إن هرتزل جعل محور فكرة الحركة الصهيونية ومشروعها القومي السياسي يدور حول إنشاء الدولة اليهودية، التي تحقق الفكرة الصهيونية مشروعها القومي السياسي فعليا وتنقلها من الحقيقة المعنوية المجردة والخيالية إلى الواقع الغعلي والمادي الحي.
لقد تمركزت الحركة الصهيونية في البداية حول المنظمة الصهيونية العالمية، التي عقدت المؤتمر الصهيوني الاول عام 1897م في مدينة بازل في سويسراً، واعلنت فيه بصراحة ووضوح أن: (هدف الصهيونية هو إنشاء وطن للشعب اليهودي في الأراضي الإسرائيلية يحميه القانون العام)، واعلن المؤتمر الصهيوني الثالث والعشرين الذي عقد في القدس عقب إنشاء دولة اسرائيل مباشرة، أن : (وظيفة الصهيونية هو مساندة وتقوية دولة اسرائيل، وتجمع اليهود الذين يعيشون في المنفى بأرض اسرائيل، وتحقيق وحدة الشعب اليهودي). وبذلك، تكون الحركة الصهيونية قد كررت الاعلان والتاكيد بصراحة ووضوح عن أن اسرائيل هي وطن جميع اليهود الذين يجب أن يعودوا عاجلاً أو آجلاً من ارض الشتات والمنفى إلى أرض (المعياد) لتحقيق الوحدة القومية للشعب اليهودي وإقامة دولته المستقلة. ويعكس مسار الحركة الصهيونية، تبنيها ثوابت تمسكت بها وحافظت عليها وأهداف تكتيكية مرحلية تنوعت وتغيرت واتسعت قاعدتها أو تقلصت تبعاً لتغير الظروف، وخصائص الموقف وتتابع المراحل التاريخية التي مرت بها الحركة، ويمكن تحديدها في:
المرحلة الأولى: وانصب فيها نشاط الحركة الصهيونية على تشكيل وتفعيل المنظمة الصهيونية العالمية لتحقيق هدف اقناع يهود العالم بالعودة للحياة فوق ما اسمته بـــ “أرض الآباء والأجداد”.
المرحلة الثانية: وانصب فيها نشاط الحركة الصهيونية بعد تحقيق هدف هجرة اكبر عدد ممكن من يهود العالم إلى ارض فلسطين، على إقامة الدولة الصهيونية لليهود في فلسطين وتقويتها والدفاع عنها بمزيد من الهجرة وبكل الوسائل المتاحة والممكنة (القوة أو الدبلوماسية أو كليهما معا).
المرحلة الثالثة: وانصب فيها نشاط الحركة الصهيونية على اقامة دولة اسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات واقناع اطراف المحيطين الاقليمي والدولي أو حتى اجبارهما عند الضرورة على القبول بهذه الدولة والاعتراف بها والتعامل معها بشكل طبيعي.
هكذا عملت الصهيونية بوصفها فكرة وحركة سياسية عنصرية توسعية على توظيف جهودها وقدراتها كلها لتحقيق هدف هجرة يهود العالم إلى فلسطين وإقامة وطنهم القومي هناك تمهيداً لبناء الدولة القومية التي تحظى بالاعتراف الدولي بها. وأسست الصهيونية ذلك كله على اقناع المجموعات الدينية اليهودية المنتمية إلى قوميات مختلفة، بأنها تشكل امة ومجموعة قومية مميزة عن غيرها بدلالة اعتناقها عقيدة دينية واحدة تجمعها على الرغم مما بين اعضاء هذه المجموعات من اختلافات لا سبيل إلى انكارها في كل خصائص ومقومات البناء القومي.
وكانت الوسائل والاساليب التي استخدمتها الصهيونية لتحقيق هذا الهدف مزدوجة حيث تراوحت وحسب الظروف بين اساليب ووسائل القوة والترهيب والعنف واساليب ووسائل اللين والترغيب والمفاوضة، واستخدمت الحركة القومية العنصرية الصهيونية في تحقيق ذلك جملة من المقولات التي جعلت منها شعارات سوغت بها وسوقت فكرة وجود امة أو قومية يهودية، وتمثلت تلك المقولات في مقولة ارض الميعاد أو الحق التاريخي – مقولة العداء للسامية – مقولة الجنس اليهودي المختار – مقولة الامة اليهودية – مقولة اسرائيل حامية الغرب وحاملة رسالته في الشرق الاوسط – مقولة الارض الخالية والصحراء القاحلة – مقولة الجيل الجديد (الصابرا) – مقولة إسرائيل الصغيرة – مقولة إسرائيل المكافحة للعيش والبقاء.