تبرز زراعة المحاصيل حساسة جدًا لعامل تغير المناخ؛ إذ إنها تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الأرض والمياه والموارد الطبيعية الأخرى التي يؤثر فيها المناخ، وهو ما يمكن أن يهدد الأمن الغذائي العالمي، حال تُركت معضلة الاحترار العالمي تتفاقم دون حلول فورية.
وتتنامى مخاطر أزمة المناخ والاحتباس الحراري على البشر والنظام البيئي بوجه عام، وهو ما يقوّض نظام الزراعة في العالم الذي يعتمد -أساسًا- على استقرار النظام الإيكولوجي والمناخي؛ من بينها درجات الحرارة، وفق معلومات جمعتها منصة الطاقة المتخصصة.
وبينما يمكن أن يُسهِم تغير المناخ (مثل درجة الحرارة، وهطول الأمطار، وتوقيت الصقيع) في إطالة أمد موسم النمو أو حتى السماح بزراعة محاصيل مختلفة في بعض المناطق؛ فإنها قد تجعل الممارسات الزراعية أكثر صعوبة في مناطق أخرى.
ويؤثر تغير المناخ تأثيرًا واسعًا في الإنتاج الزراعي العالمي، عبر إلحاق أضرار مباشرة بالمحاصيل الغذائية الأساسية مثل البطاطس والذرة وكذلك المحاصيل النقدية للعملاء الأثرياء مثل الكاكاو والقهوة، وفق ما أورده موقع فود نافيجيتور (Food Navigator) المتخصص.
ويُقصد بالمحاصيل النقدية تلك التي تزرع لبيعها في أسواق المدن المحلية أو للتصدير، وعادةً تكون أكثر ربحًا من غيرها من المحاصيل.
إنتاجية المحاصيل مُهددة
بينما يحذر الباحثون من أن إنتاجية المحاصيل بوجه عام ستنخفض نتيجة ارتفاع درجة حرارة الكوكب؛ فإن أنماط الأمطار المتغيرة والطقس المتغير ربما تهبط بإنتاجية بعض المحاصيل.
فعلى سبيل المثال وجدت دراسة بحثية أُجريت في عام 2019 أن إنتاجية محاصيل إستراتيجية مثل الأرز والقمح آخذة في التراجع، بينما ترتفع محاصيل الذرة الرفيعة التي تُعرف بمقاومة أكبر للجفاف، خلال المدة نفسها.
ومع زيادة الاحترار، وتسارع وتيرة تغيره، تنتشر الحشرات والأمراض على نطاق واسع؛ ما يُزيد عدم اليقين الذي يُغلف آفاق الزراعة العالمية.
وربما يصبح تخزين الغذاء -أيضًا- مسألة أكثر صعوبة؛ إذ إن درجات الحرارة المرتفعة تُزيد من فرص نجاح الحشرات والعفن في تدمير المحاصيل التي تُخزن في الهواء الطلق، وليس في المناطق المبردة.
سوء التغذية
من المتوقع كذلك أن يسهم تغير المناخ في زيادة أعراض سوء التغذية عبر خفض معدلات توفير الأغذية وتدني جودة الغذاء، مع صعود حاد في الأسعار خلال الوقت نفسه.
كما ستقود درجات الحرارة المرتفعة، وتزايد تركيزات غاز ثاني أكسيد الكربون في الهواء، إلى مستويات منخفضة من العناصر الغذائية مثل الحديد والزنك والبروتين في محاصيل، مثل فول الصويا والقمح والأرز، وفي تقارير رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
وستمثل تلك، بطبيعة الحال، معضلة أكبر للدول التي لا تتسم بقدر كافٍ من التنوع الغذائي، والتي يعتمد سكانها في الغالب على نوع واحد أو اثنين من الأغذية.
وفيما يلي قائمة بأكثر 8 محاصيل تهدد التغيرات المناخية بتراجع إنتاجيتها، أو حتى باختفائها بالكلية:
1- الذرة
من المرجح أن يشهد الإنتاج العالمي للذرة هبوطًا كبيرًا بحلول أواسط القرن الحالي (2050)، نتيجة التقلبات في درجات الحرارة، وتناقص معدلات هطول الأمطار.
وستتأثر كل المناطق الرئيسة المُنتِجة لمحصول الذرة -مثل الولايات المتحدة الأميركية والبرازيل- سلبًا جراء هذا التطور الخطير الحاصل نتيجة تغير المناخ.
وفي هذا الصدد قالت مساعدة مدير قسم الاتصالات في منظمة “العمل ضد الجوع” الخيرية جوديث إسكريبانو: “المزارعون الصغار يعتمدون بوجه خاص على هطول الأمطار الدورية، لزراعة الذرة، ومن ثم يؤثر تغير المناخ في أنماط الأمطار النموذجية”.
وأضافت إسكريبانو: “في بلدان مثل موزمبيق حيث تُنتَج الذرة للاستهلاك المحلي، من المرجح أن تكون النتائج كارثية”.
2- القمح
في المناطق الأكثر برودة مثل أوروبا وأميركا الشمالية، ربما يشهد إنتاج القمح زيادة تتجاوز 5% في الإنتاجية حال كان هطول الأمطار مواتيًا.
ومع ذلك فإنه في المناطق الأكثر عُرضة للخطر مثل الهند وأميركا الوسطى، وأفريقيا، ربما تقل معدلات إنتاجية القمح بنسبة 3% أو يزيد.
ونظرًا إلى أن الهند تُنتج ما نسبته 14% من إجمالي القمح في العالم؛ فإن هبوط إنتاجية هذا المحصول الإستراتيجي في المناطق الأكثر سخونة وجفافًا ستكون له تداعيات خطيرة على مزارعي القمح، وأيضًا على ملايين الأشخاص الذين يعولون عليهم في كسب أرزاقهم.
3- الأرز
بالنسبة لأكثر من 3.5 مليون شخص حول العالم، يوفر الأرز 20% أو أكثر من احتياجاتهم الغذائية اليومية، وما زال الطلب على تلك السلعة الغذائية المهمة في تزايد مضطرد.
ومع ذلك فإن إنتاجية الأرز العالمية ربما تهبط بأكثر من 5.5% حال ارتفعت درجات الحرارة بواقع 1.5 درجة مئوية.
وتتوقع بعض التقديرات أن تنخفض إنتاجية الأرز بنسبة 11% بحلول عام 2050، وفق تقديرات رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
وإذا ما زادت درجات الحرارة بواقع 2.5 درجة مئوية في المتوسط عن مستوياتها قبل الثورة الصناعية بحلول نهاية القرن الحالي، يُتوقع أن يغرق نصف دلتا نهر ميكونغ، أكبر مصدر للأرز في العالم.
وعلاوة على ذلك سيتضرر المزارعون في آسيا -من بينهم المراكز السكانية الرئيسة المتمثلة في الصين والهند وفيتنام- وكذلك في أفريقيا التي تبرز فيها نيجيريا أكبر بلد مُنتِج للأرز في القارة.
وفي بنغلاديش يعاني المزارعون بالفعل من خسائر فادحة نتيجة موجات الحرارة الشديدة وتناقص معدلات هطول الأمطار في موسم الزراعة، ما يقود إلى تدمير أكثر من 168 ألف هكتار من الأرز.
وتبرز الحقول الساحلية عند مستوى سطح البحر، على وجه الخصوص، أكثر عرضة للخطر جراء الزيادة في منسوب مياه البحر، حينما تتمكن تلك المياه من أن تغمر الأراضي الجافة، وتُتلف، أو حتى تُدمر محاصيل الأرز.
ومع تزايد مخاطر تغير المناخ على إنتاجية محصول الأرز في المستقبل، ترفع مبادرة مشروع الأرز الأوروبي European Rice project التي أطلقها الاتحاد الأوروبي، الوعي بأهمية حماية محصول الأرز الذي يُزرع في أوروبا، من بينها تعزيز فوائد الاستدامة.
4- الصويا
تقود الشعبية المتزايدة لمحصول الصويا إلى إزالة الغابات؛ ما يُسهم في ارتفاع مستويات غاز ثاني أكسيد الكربون.
ويُلاحظ هذا النمط، بدرجة أكبر، في أميركا الجنوبية؛ حيث يُزيد المزارعون من إنتاج الصويا لتصديره إلى الصين، وأيضًا لسد الطلب المحلي المتنامي على الأعلاف الحيوانية الصناعية.
وتتباين آثار تغير المناخ على إنتاجية محصول الصويا؛ إذ وجد الباحثون أن نباتات حبوب الصويا تستجيب بدرجة أعلى للتركيزات العالية من غاز ثاني أكسيد الكربون في الهواء.
وفي هذا الخصوص قالت مساعدة مدير قسم الاتصالات في منظمة “العمل ضد الجوع” جوديث إسكريبانو إن “إنتاجية الصويا ربما تزيد إذا ما تحوّل المزارعون من محاصيل أخرى مثل القمح، أو حتى توسعوا في الأراضي التي كانت غابات في السابق، وهذا يحدث في الأمازون وقد
يحدث كذلك في مناطق حالية تتسم بدرجة برودتها الشديدة لإنتاج الصويا، مثل نيويورك، وجنوب كندا”.
وتابعت: “ومع ذلك؛ فإنه حتى إذا زادت محاصيل الصويا في المدى القريب، يتوقع معظم العلماء أن تنخفض تلك الإنتاجية في وقت لاحق هذا القرن، مع تنامي الضغوطات بشأن الحرارة والمياه”.
5- البطاطس
بحلول منتصف القرن الحالي (2050)، من الممكن أن يهبط الإنتاج العالمي من البطاطس بنسبة 9%، بفعل آثار تغير المناخ.
ولكون زراعة البطاطس تحتاج إلى إمدادات ثابتة ومستدامة من المياه، ستكون هناك مناطق قليلة هي التي تصلح فقط لزراعة هذا المحصول الغذائي بالغ الأهمية، وفق منظمة “العمل ضد الجوع”.
وفي أماكن زراعة البطاطس التي تعتمد على ذوبان الثلوج الجبلية، كما هو في ولاية أيداهو الأميركية، أو موسم الأمطار المستمر، مثل بوليفيا، سيحتاج المزارعون إلى تكييف الأصناف المختلفة من هذا المحصول أو الاستثمار في أساليب الري الحديثة للحفاظ على الإنتاج.
6- الموز
يُزرَع الموز في المناطق الاستوائية، إما بوصفه محصولًا نقديًا وإما مصدر غذاء محليًا.
ووجد الباحثون أنه نتيجة لدرجات الحرارة المرتفعة باضطراد على مدار الأعوام العشرين الأخيرة، هبط إنتاج الموز بنسبة 43%.
كما أضحت هناك أصناف معروفة من الموز مُهددة بالإصابة بالأمراض، مثل مرض تخطط الأوراق البكتيري أو العصافة السوداء، الذي يمكنه أن ينتشر بسرعة في الطقس الحار.
ومع ذلك تسلط منظمة “العمل ضد الجوع” الضوء على حقيقة مفادها أن تغير المناخ من الممكن كذلك أن يفرض ضرورة إيجاد مساحة أكبر من الأراضي لزراعة الموز بحلول عام 2070.
7- الكاكاو
حذرت مساعدة مدير قسم الاتصالات في منظمة “العمل ضد الجوع” جوديث إسكريبانو، من أن الطلب على الشيكولاتة “يشهد تناميًا ملحوظًا، ومن غير المرجح أن يستطيع الكاكاو مواكبته.”
وتستأثر كوت ديفوار وغانا الواقعتان في غرب أفريقيا بنصف إنتاج الكاكاو في العالم، كما تشهد تلك المنطقة هطولًا في الأمطار بمعدلات غير منتظمة، ورياحًا ساخنة.
وتُزرع حبوب الكاكاو فقط في ظروف شديدة الخصوصية؛ حيث تقول إسكريبانو إن هذا المحصول “يتناسب تمامًا مع درجات الحرارة الثابتة، والرطوبة العالية، والأمطار الدورية”.
وتقود درجات الحرارة المرتفعة إنتاجية الكاكاو إلى مستويات عالية؛ حيث ستكون هناك أراضٍ أقل؛ ما يمكن أن يؤدي إلى إزالة الغابات.
8- القهوة
تبرز القهوة محصولًا قيِّمًا للعديد من صغار المزارعين الذين يعولون على الدخول المتحققة منه في شراء الغذاء والمستلزمات الأساسية اللازمة لأسرهم وذويهم.
وفي البلدان الكبرى المنتجة للقهوة، يتيح المحصول فرصة اقتصادية ذهبية من خلال زراعته أو معالجته أو تجارته أو تمويله وما يرتبط بذلك من أدوار ذات صلة.
لكن قد تكون كل تلك الأنشطة “عُرضة للخطر”، نتيجة تغير المناخ، وفق ما حذرت منه إسكريبانو.
فعلى سبيل المثال من الممكن أن تفقد إثيوبيا، أكبر مُنتِج للقهوة في أفريقيا، 25% من إنتاجية هذا المحصول بحلول نهاية العقد الجاري (2030).