أخبارمقالات

عندما يذهب العراقي إلى أمريكا !

كتب د. رضا العطار …..عندما يذهب العراقي الى الولايات المتحدة الامريكية، يحاول فهمها، بل يحاول ان يتشرب من علومها وثقافتها بل من تقاليدها.

(يالها من مهمة ) يشق طريقه عموديا في تراكمه الحضاري – – في تآليفه و رواياته وفنونه، – ولعل نتيجة ذلك ستكون زعزعة في النفس وقلق في الطمأنينة، ذلك لان تقاليد الشرقي قد لا تستمد من هذه العملية مقويا، بل ما هو عكس ذلك.

ولست ادري، أخير ذاك ام شر، أفيه بذرة العافية ام ميكروب الموت، غير ان هذه السنة التي قضيتها في امريكا اثارت في نفسي شكوكا لم تكن فيما مضى بهذه الكثرة. ومعظم هذه الشكوك يدور حول قيمة ( شق الطريق ) في تراكمات الثقافة الغربية أليس من الاجدى ان ينمّي المرء طاقاته بالبحث عن غذاء له في هذا الجزع الشاسع، الطالع النازل في بلادنا العربية – – هذا الجزع الذي مازال يتيح للفرد فسحات عريضة من الفعل والتأثير ليس في الغرب الان ما يضاهيها ؟

ففي هذا البلد يخيل اليّ احساس سائد بانه قد انجز وحقق بانه قد وصل، بانه قد بلغ غايته بعد رحلة شاقة، و مسيرة وعرة. ولهذا فان هناك احساسا ايضا بشيء من التعب والاجهاد : فالناس الان يريدون ان يحفظوا ما احرزوه بهذا العناء ويرسخوه ويكملوه – اي الخروج على التقاليد السياسية الصارمة، التي تفزعهم، فينعتونه بالشيوعية، ويقيمون رجالا كمكارثي لنبش المزابل السياسية العتيقة. لئلا تكمن في ثناياها ريح خبيثة. بالطبع، لن تجد امريكيا يعترف بذلك.

ففي امريكا من وسائل الراحة ما ليس في العالم كله، والراحة تجعل اهلها يتمسكون بها ويغارون عليها، لئلا يفقدوها. كانت امريكا في القرن التاسع عشر سكرى بحيويتها، بطاقتها على التوسع، بدفعها الحدود غربا فغربا : ويدهشني الشاب الامريكي الغيور (ولت وتمن) عندما نشر شعره، وقد نفخ فيه روح الهمة والنشاط، مقرونة بافراح التفائل في انجاز المهمات العظيمة في العمل الخلاق، التي افرزت في صنع الالات والمكائن الحديثة، هيأت للمجتمع الامريكي وسائل الرفاهية والهناء، كانت اسباب سعادتهم في الحياة.

واذا عدنا الى انفسنا وجدنا ان التقاليد الموروثة لدينا قد بلغت حدا، حتى اصبحت تعيق تطورنا. لعلنا كنا كالغرب الحديث قبل الف سنة، والان دار التاريخ بنا دورة كاملة، فعدنا بدائيين من جديد. لقد عدنا الى اول الشوط مرة اخرى. نحن مسؤولون الان عن دفع حدودنا _فكريا على الاقل _ واعادة بناء مصيرنا. ولذا فاننا ابناء هذا الجيل في حالة ثورة هائلة، رؤوسنا مخمورة بعنفها، قد نلعن ونكره ونعشق ونمدح بحماس كحماس المجانين : ولم لا ؟ انها نشوتنا الجارفة الاولى. فنحن كمراهق يعرف الغواية الجنسية لاول مرة في حياته، وكل ما في الجسد من خوف ولذة، متحرك فعال فيه. وكالمراهق سنأتي من الطيش والنزق امورا كثيرة بلا حياء او وجل، والنزق من حق الشباب، – ولكن علينا نتحمل تبعة هذا الطيش ونتدبر امر هذا النزق، ونجري مطامح الشعب وتطلعاته في مجاري الخلق والابداع. لا في مجاري القتل والارهاب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى