لا شك ان الثقافة والبنى الفوقية التي تتواشج مع البنى المادية التحتية تتناسب تناسبا طرديا. فكلما صلحت البنية المادية التحتية من حيث انعدام مؤثرات التفاوت الطبقي بالمجتمع وزيادة الفجوة بين الذين يملكون وبين الذين لا يملكون من الفقراء والشغيلة العاملة وصغار الفلاحين. اقول كلما حسنت هذه البنية المادية التحتية بتنوعاتها المعيشية والاقتصادية وسادتها العدالة والمساواة كلما ازدهرت البنى الثقافية والتمدينية الفوقية عليها المرتبطة بها تخارجيا جدليا.
هذه الرؤية الايديولوجية الماركسية لا زالت حاضرة في التفسير لما عليه حال الوطن العربي من أسى كارثي. اذ ان التشرذم السياسي والايديولوجي الذي انجب اكبر مسخ في غالبية البلدان العربية جعلت من حضور المنهج الايديولوجي الماركسي المتجدد المطعّم بالديمقراطية واستيعابه متغيرات الوضع العالمي وبروز اكثر من رأس ثقافي دوليا يريد توثيق حضوره الثقافي الدولي باستثناء دول الوطن العربي التي تتمركز هذه المقالة الحديث عنهم لما تمتاز به من خصوصية تخلفية وجهل وفقر وفوضى سياسية وثقافية كارثية حاضرا ومستقبلا.
من يستقريء الاسباب الحقيقية الكامنة وراء تخلف الوضع الثقافي العربي يجدها عديدة التنوع منها:
محاصرة روّاد الثقافة العلمية التقدمية اليسارية العربية لما يزيد على نصف قرن ومحاولة ازالة تاثيرهم الفكري الملتزم قضايا الانسان العربي الغاطس في مستنقع التخلف والجهل وفوضى سياسة التجهيل المبرمج.
دفع العديد من هؤلاء نخب المفكرين والمثقفين العرب ضريبة التزامهم التثوير الشعبوي النهضوي في رفع مستوى الوعي الجمعي الى مصاف التفكير القائم على العلم والتحضر ومعايشة العصر بروحية حضارية ذات خصوصية بنا هكذا فعلت الشعوب العديدة وتفعل اليوم.
حاولت هذه النخب التنويرية تجربة ثقافية مميزة ولا نقول حضارية بعيدة المنال خاصة بنا غير تابعة ولا منكفئة على نفسها ولا منصهرة في بوتقة عولمة العالم بالاستهلاك الحضاري وليس الاسهام بخلق الجزء اليسير منه.
القطبية الراسمالية المعولمة واتباعها من دول تضع كافة امكانياتها الراسمالية المتغوّلة عالميا في مصادرتها المنع بكل وسيلة ان يكون لدول العالم الثالث اي قامة مستقلة اقتصاديا وثقافيا في محاربتها المستميتة استهدافها قادة ومفكري اليسار الماركسي العربي ومفكرين قريبين من الطروحات الماركسية الفكرية الثقافية… وفرض مفاهيم عولمية في تكسير عظام العمود الفقري النهضوي العربي لمنع نهضة هذه الشعوب في محاربتها العدائية الشرسة للفكر التقدمي اليساري المتحضر الذي اثبتت وقائع الوضع العالمي بعد اسقاط منظومة الاتحاد السوفييتي حقيقة ان العالم باسره يتراجع اقتصاديا وزادت نسبة الفقر والجوع عالميا زد على ذلك التغيّر المناخي وانتشار التصحر وارتفاع درجات الحرارة التي تسببت في حرائق غابات شاسعة والتنازع على المياه العذبة. قبل اسبوع نشرت وسائل الاعلام الاميريكية والبريطانية خبر زيادة شساعة مساحة الهوة الغائرة العميقة مجتمعيا بين الغنى والفقر بما يجعل اميركا وبريطانيا تعيشان اسوأ حالات التقاطع الطبقي والانقسام بين من يملكون اموال العالم ويتمتعون بمباهج الحياة دون غيرهم من الشرائح الاجتماعية المحرومة من مقومات الحياة الكريمة بعيدا عن التشرد وادمان المخدرات والاباحية الجنسية وتفكك الاسرة…
التراتيبية الخاطئة سياسيا في تسيّد عودة الاحزاب السياسية العربية التي باءت تجاربها بالفشل الذريع فقد حكمت بعض القيادات المحسوبة على اليسار العربي اسوأ اشكال الدكتاتوريات المنقسمة على نفسها في ازدواجية المتاجرة بادبيات الفكر الماركسي في تنظير بعيد جدا عن كبوات التنفيذ الفاشل الذي اعطى اغلى التضحيات الوطنية تاريخيا على امتداد اقطار البلدان العربية التي طالت التصفية الكوادر الفكرية الثقافية المبدئية الشابة التي كان من المؤمل في حال وصول هذه الطاقات الشابة الماركسية وغيرها من قادة الاحزاب التقدمية المؤهلة سدة قيادة الفكر اليساري عربيا ان تضع الامور في مساراتها الصحيحة وهو ما لم يحصل.
لان هذه الكوادر الشابة المؤهلة نضاليا كانت محاربة من مربع عدائي شرس الاول سلطة الحكام الدكتاتوريين وبطشهم بقادة وكوادر الاحزاب الماركسية واليسارية. الراس الثاني محاربة الاحزاب القومنجية والاسلاموية للفكر اليساري بكافة عناوين تجمعاته التنظيمية. الراس الثالث هو محاربة القيادات الكلاسيكية المهادنة في تطويع وجودها مع الوضع الحكومي الفاسد وهم يتفرجون. الراس الرابع هو تخلف وجهل الجماهير التي وصل وعيها السياسي في بعض البلدان العربية ادنى درجات الزيف التضليلي الممنهج. الذي مارسته القوى الرجعية الفاشية معاداتها اليسار العربي تحت لافتة القومنة الوحدوية وتضليل الوعي الجمعي الجماهيري باسم اقامة خلافة الاسلام المتطرف.
بعد فشل او بالاحرى نجاح تآمر الافشال لتجربة بعض القيادات الوطنية الصادقة اليسارية التي كانت جماهيرها ضحية اخطاء بعض قياداتها القاتلة مثال ذلك اجهاض تجربة الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم الوطنية اليسارية بامتياز بالعراق. وفشل تجربة انقلاب الحزب الشيوعي السوداني مطلع سبعينيات القرن الماضي وغيرها من انتفاضات دفع اليسار العربي دماءا زكية شابة هي ذخيرتها بين الجماهير الشعبية..
استلمت الحكم في الاقطار العربية المتحررة من التبعية الاجنبية دكتاتوريات المد القومي العربي الغاطس في ممارسة التصفية الدموية الوحشية لكل اتجاه وطني والتناحر المفلس في ما بينها على استلام الحكم واعلان التبعية لزعامات تنادي بوحدة الامة العربية لتبني لها امجادا دكتاتورية من المحيط الى الخليج تنافس التبعية الخليجية لمجلس التعاون الخليجي قبل وبعد تشكيله لامريكا وبريطانيا والدول الراسمالية.
لقد فتحت تجارب حكم المد القومي الدموي الفوضوي ابواب الانقلابات العسكرية على مصاريعها والتبعية للاقوى نفوذا بالمنطقة من الدكتاتوريات فدخلت جميع تجارب المد القومي المتاجر بعواطف الناس البسطاء الراكضين وراء توفير العيش الاقتصادي والوطني الكريمين في اقسى فشل كارتوني سياسي باسم قومنة الوحدة العربية.
اكبر افلاس وانتكاسة لتجارب المد القومي الدكتاتوري التي حكمت اقطار الوطن العربي بايديولوجيات لا تستحق حكم قرية وادارة شؤونها كانت نكسة حرب حزيران 1967 امام اسرائيل. وكان من اهم اسباب النكسة محاربة الفكر اليساري الماركسي بوحشية وهمجية طالت ليس رؤساء الاحزاب بل النخب الثقافية اليسارية التقدمية ومحاربتها وسحقها وتغييبها بالسجون نهائيا.
بعد فشل المد القومي العربي الدكتاتوري لم يكن مثيرا ان تبدأ مرحلة ثورات الربيع العربي التي ولدت ميتة رغم قيامها باكبر انجاز وطني تحرري هو كنسها لجميع رؤوس الدكتاتورية التي حكمت عقود طويلة بالحديد والنار والفساد والعمالة.
لم تكن الجماهير العربية الثائرة بالملايين التي نجحت بالقضاء على تلك الدكتاتوريات تدرك وتحتاط ان بطانة تلك الانتفاضات بما اطلق عليه ثورات الربيع العربي تستبطنها احزاب اسلاموية وبقايا قومنجية وتكتلات تسايركل اساليب الانتهازية في تاييدها من الذي يحكم لتتبعه. ممثلة بمافيات حزبية عميقة فاشيّة تحكم وتديّر تلك الجماهيرالغاضبة في تظاهراتها المليونية نحو هدف ان زعامات تلك الدول العميقة هدفها الذي افتضحه التطبيق كما في مصر وتونس استبدال دكتاتورية القومنة الوحدوية بابشع دكتاتوريات جاءت باسم الاسلام ودولة الخلافة وكانت همجيتها ووحشيتها وتخلفها وجرائمها فاقت جرائم اوربا القرون الوسطى ولا زالت بقاياهذه القوى المتخلفة تحارب كل النخب الثقافية رغم هزائمها المزرية وكل فكر تقدمي في المقدمة منها ايديولوجيا احزاب اليسار الماركسي الجديد.
المثقف العربي والوضع العربي الماساوي
كثيرون هم المفكرون العرب الذين تناولوا مصير ابرز قادة نخب مثقفي الوطن العربي وسط تلاطم امواج الفوضى السياسية الدكتاتورية الدموية التي مررنا عليها بعجالة نستطيع تلخيص :
– بعض مثقفي الوطن العربي توزعتهم مواقفهم السياسية فالمثقفين من اليسار الماركسي الذين آثروا البقاء باوطانهم بمبدئية وطنية صادقة طالتهم التصفية الجسدية والسجون وطواهم النسيان الى يوم اعلان مماتهم وذهب استكمال ماحلموا به وماتوا من اجله قطيعة مفروضة بقوة جبروت الطغاة من الدكتاتوريات المتسيدة التي لاحقت بضراوة وحشية تصفية ما بقي من كوادر تنظيمات ماركسية وغير ماركسية يسارية تقدمية شابة مبدئية ارادت تجديد اساليب النضال الكلاسيكية التي اتبعتها القيادات الكلاسيكية الشائخة..
– الذين آثروا الهرب خارج اقطار الوطن العربي من المصير الذي راح ضحيته اصحاب المبدئية السياسية والثقافة التقدمية فتوزع هؤلاء لاجئين يمارسون النضال من عواصم العالم في جنيف ونيويورك ولندن ومدريد وباريس فكانت كتاباتهم النضالية ابشع وسيلة في الممارسة الانتهازية التي تتاجر بقضايا اوطانها باضعف الايمان الكلمة المكتوبة والمصدرة لنا من باريس ولندن وغيرهما. كلمة مفعمة بالالتزام الوطني على الورق. بينهم من بلغ به الياس والتقدم بالعمر ماجعله يعتزل السياسة حتى الكتابة الانشائية.
– بعضهم اختاروا تدجين كتاباتهم من قبل دول الخليج التي تقولب كل مقالة ثقافية بما يعزز التبعية الاستهلاكية لصادرات مركزية امريكا وبريطانيا. وكل وطنيتهم في الكتابة بناء امجاد ثقافية زائفة. الجزر الثقافية الاستهلاكية حضاريا في دول الخليج قتلت روحية جميع المثقفين والمفكرين والفنانين من العرب المهاجرين الى الخليج ومعهم بقايا الاحساس الوطني الملتزم الذي احتواها تغييبا السعي وراء الشهرة والحصول على رغد العيش بما يجنونه من مال ومستوى معيشي خاصة الاكاديميين منهم المهاجرين الى الخليج غالبيتهم اشترتهم دول الخليج باغراءات مالية ما انساهم همومهم الوطنية والوطن.. لا يوجد اليوم قطر عربي واحد لا يملك موضع قدم ثقافي اكاديمي وغير اكاديمي في اقطار الخليج .
– بعد هيمنة القوى الظلامية الاسلاموية على اكثر من نفوذ علني ومستور داخل وخارج البلدان العربية رافقتها العولمة ما شجع على بروز ظاهرة الالحاد وفوبيا الاسلام في اوربا وامريكا من العرب المسلمين قاطبة ماجعل الفكر التقدمي الذي يعيش بؤس حياة المهجرورذائلها الجنسية الاباحية وتعاطي المخدرات والتمييز العنصري ينزوون في عزلة تحاشي البطش بهم وترحيلهم. والذي اتيح له الهرب خارج البلدان العربية لم يتخلف ساعة عن حمله حقيبة سفره..
– اتطرق لاخر نقطة اعتبرها اهم نقطة بما تم ذكره سابقا هو ان غالبية النخب الثقافية التقدمية خاصة التي استوطنت باريس بديلا عن عواصم العروبة في مقدمتهم مفكري ومثقفي بلدان المغرب العربي من المتفرنسيين بضمنهم مثقفي موريتانيا ونخب لبنانية مميزة وعراقية وسورية ومصرية. غالبية هذه النخب التي كانت تشكل (عجينة) بلورة وعي جمعي عربي تقدمي تمديني متحضر يعيش عصره وضعهم التوصيفي الثقافي اليوم الخصه بالتالي:
نستطيع تصنيف هذه النخب الثقافية العربية المهاجرة حسب اهتماماتها السياسية والثقافية فهي جميعها هاربة متملصة من اي انتماء لبلدانها بالوطن العربي في اسقاطها مفهوم الالتزام الوطني من حساباتها في المهجر. تمركزت هذه النخب حول قضية مركزية مصيرية هي (التراث والمعاصرة ) واطلق المفكر اللبناني الباريسي جورج طرابيشي على هذه الاشكالية مصطلح (مذبحة التراث) حيث لا وجود لمفكر يعيش بالمهجر وداخل بلدانهم العربية لم تستنفذ طاقته الفكرية الثقافية مسالة اكثر اهمية من الدوران غير المنفلت المؤدي الخروج عن دائرة مركزية البحث عن كيفية ايجاد الحلول لمشكلة علاقتنا بالحداثة العالمية وهذه المسالة عمرها ما قبل القرن العشرين بما لا يقل عن نصف قرن..
– بعض هؤلاء النخب اليوم من مقيمي المهجر خاصة الباريسي واللندني كان همهم الوحيد بناء امجاد ثقافية زائفة عمادها اجترار ما كتبه السابقون من الاسلاف من مجلدات عفى عليها الزمن وتعتاش عليها بعض الاقسام بالجامعات العربية والاجزاب السلفية لا تجديد ولا اضافة ولا نقد حقيقي ولا توعية جماهيرية من وراء هذا العبث الاجتراري حول مشكلة معيشتنا علاقة التراث والمعاصرة مركزية تخلفنا التي يستتر وراءها كل مخلفات التضليل المتحجر باسم الحفاظ على الخرافة والتضليل الممنهج.
– البعض الاخر هو الذي وجد ضالته في الهجوم النقدي الكاسح على غيره من مفكري النخب الثقافية العربية ليس في السعي لوضع اسس منهجية تؤسس لنهضة تعبوية شعبية بل لاثبات قامته الثقافية اطول من غيره وهو المفكر الذي يتوجب اخذ افكاره النقدية لغيره منزلة المقدس الفكري في حل اشكاليتنا مع الحداثة والمعاصرة. على سبيل المثال قام المتغرب الباريسي المفكر جورج طرابيشي باصداره سلسلة مؤلفات في محاربته المشخصنة للمفكر المغربي محمد عابد الجابري وتفنيد افكاره بما اطلق عليه توصيف (نقد النقد) الذي مارسه بريادة بايخة طرابيشي ليتسلم الراية منه اثناء حياته وبعد مماته غالبية المفكرين. مفكر عربي واحد شخص هذه المشكلة وادانها بوضوح قاس هو علي حرب في كتابه (نقد الحقيقة).
– ما بقي من النخب الثقافية المهاجرة خاصة الذين يكتبون في الاجناس الادبية شعرا , قصص قصيرة, روايات, ونقد ادبي وغير ذلك فهؤلاء في غالبيتهم تنصلوا عن مسالة الالتزام بقضايا اوطانهم الغارقة بالجهل والفقر والامراض. هؤلاء اسوأ نموذج في اسقاطهم اي نوع من الالتزام الوطني سياسيا بالوسيلة التوعوية الثقافة.
خارطة المشهد الثقافي العربي اليوم
1. المشهد الثقافي العراقي اصبح اليوم تحكمه الطبقية السياسية المنتجة لثقافة سطحية خرافية تقوم على الاكاذيب والممارسات الرخيصة من المجاملات النفاقية وملء المؤسسات الثقافية بنكرات ليس لهم بصمة ثقافية مشهود له بها, تسندها احزاب ومؤسسات لا تعرف من هي سوى امكانيتها تنصيب سفيرا للعراق لا يمتلك شهادة اعدادية. الثقافة العراقية الرسمية لا تؤمن بثقافة عراقية تحتوي مكونات الشعب العراقي بلا تمييز كما هي ابعد ما يكون عن ثقافة تحمل هوية عربية.
2. ثقافة دول الخليج العربي هي ثقافة العطايا والهبات رشى لرموز ثقافية تعيش بالمهجر لكسب ولاءها الصامت عن ثقافة خليجية تنتسب للعروبة زيفا هي مفرخة تفقيس وتخريج جوقات متتالية من المثقفين والفنانين المغسولة ادمغتهم بالتنكر لاوطانهم والعيش في نعيم كل هابط اخلاقيا بالادب والفن. ثقافة الخليج الرسمية ثقافة الترويج لنيل الجوائز وتقليد الحداثة الغربية بكل سوءاتها وعوراتها وهم بالترويج للرقص الشرقي وسراديبه الخفية لا تظاهيهم بها الحداثة ولا ما بعد الحداثة ولا مابعد البعد.
3. الثقافة المصرية اليوم, عملاق ولسان حال التعبير عن الثقافة العربية باهلية وامتياز ايام زمان غادرت عظمتها برموزها عمالقة الادب والفن والسينما والمسرح لتخلي مكانها لمن يعتاش على ذلك الموروث الذي انجب امثال نجيب محفوظ بالعشرات. الثقافة المصرية اليوم خنقت تنويرها العربي احزاب وتكتلات واشخاص هي تمثل الردة التمدينية الحقيقية الرجعية بنصف قرن على الاقل. ذهبت قبل فترة قليلة نخب ثقافية صمدت وقاومت ولم تتراجع امام امواج متلاطمة من العداء الوحشي الغادر التي تحاول تجذير الطائفية والمذهبية والعرقية وكل اشكال الاختلافات المشبوهة المصدر والتمويل وبعضهم من افذاذ مثقفي ومفكري مصر اعطى حياته بالغدر والغيلة فداءا لمصر العربية.
4. ثقافة لبنان وسوريا اليوم تعيش دمار ما خلفته الحروب الاهلية والمصنّعة خارجيا اغلقت معظم دور الطبع والنشرفي لبنان وسوريا , غادرت وأغلقت ابوابها اكفأ وأرصن المجلات الادبية والفلسفية التي كانت منارا هاديا لكل مثقف يريد تحصيل معرفة ثقافية حقيقية اصيلة الانتماء والتوجه القومي العربي الذي يضم فسيفساء التنوع الوطني اللبناني في التزامها هموم وقضايا الانسان العربي..
كل ما له اهتمام بالثقافة يجد اليوم في دور النشر اللبنانية التي لم تغلق ابوابها الى الان تطبع (خريط) لمن يدفع مصاريف الطبع والنشر والتوزيع. اكفأ دور النشر اللبنانية اليوم باعت مضطرة مغلوبة على امرها تحسبا من الافلاس غير المعلن باعت سمعتها عندما قامت تطبع وتكرر طباعة مجلدات اشبعت طباعة ولا قيمة ثقافية لها اليوم. مجلدات تراثية لا تنفع اليوم بل يضر طبعها ونشرها لقاء المال. مجلة مثل الاداب توقفت او انحدرت الى ادنى مستوياتها الثقافية الا يدعو ذلك رثاء القلب للثقافة بلبنان. ابرز مفكري وادباء لبنان الذين ملات قدراتهم وسمعتهم الثقافية ارجاء العالم العربي ينشرون اليوم من بقي منهم حيّا في صحف ومجلات رخيصة عربية غير لبنانية لقاء المال الا يدعو هذا الى الصمت الذي يقطر دما على ثقافة لبنانية عربية عظمى ضاعت.
5. ثقافة اقطار شمال افريقيا من اقطار الوطن العربي المنكوب ثقافيا. ثقافة هذه الاقطار ينطبق عليها قول العظيم المتنبي غريب الوجه واليد واللسان قبل ان يتنبأ بمقتله قرب النعمانية التابعة لمحافظة واسط بالعراق.
القائمون على المؤسسات الثقافية في هذه الاقطار بعضهم لا يعترف باللغة العربية ولا بانتمائهم لامة العرب والاسلام. المؤسسات الثقافية المغاربية المالكة لكل ما يمت للثقافة بصلة هي جذر تغذية الانقسامات والتشرذم الثقافي في اعتبارهم ثقافة المهاجرين المقيمين عقودا طويلة في فرنسا وفي باريس تحديدا هم المرجعية الام المرضعة لتغذية ما يسمى ثقافة تكتب بالعربية فقط وهي معادية لكل ماهو عربي حقا وباطلا.
رغم اجلالي واقتدائي بمفكر فيلسوف امثال عابد الجابري يعود لاحياء نزعة الخلاف الموروث بين الغزالي ذو النزعة الصوفية وابن رشد ذو النزعة العقلية. معتبرا المشرق العربي هم المفلسين فلسفيا وثقافيا لانهم يحاربون العقل بمنظوره الرشدي فهم اصحاب العقل المستقيل على خلاف المغرب العربي الذين مرجعيتهم المعترف بها اوربيا هو عقلانية ابن رشد. من يصدق ان هذه النظرة الاختلافية التي يصل عمرها الى ما قبل 600 عاما هجريا تكون الدستور الهادي لمثقفي اقطار المغرب العربي اليوم فهم لا يدعمون من لا يعطيهم رأيه المماليء لهم ولا يمجدون ادباء ومفكرين خارج دائرة سيطرتهم المزعومة انهم ورثة الفلسفة العقلانية الاسلامية ولا يعترفون بخرافات الفكر المشرقي ولا بشعرائه وادبائه ومفكريه ويمارسون التفرقة بالنشر والترويج بين الانحياز الى مثقفي اقطارهم واقول ذلك عن تجربة عشتها.