عما يعرف بثعلب السياسة الأميركية هنري كيسنجر إنه حاول العمل على نزع فتيل أزمة كوبا مع بلاده، برغم ما ربطته من علاقات مع زعماء الاتحاد السوفياتي الكبار وقتذاك ليونيد بريجنيف واليكسي كوسيجين وإندريه غروميكو.
كتب حمزة مصطفى…. من رخصة غابريال غارثيا ماركيز أستعير عنوان روايته الخالدة «مئة عام من العزلة» عنوانا لمقالي عن هنري كيسنجر أخطر مهندسي خراب عصرنا على مدى أكثر من 7 عقود من عمره، الذي ناف على المئة عام وبضعة شهور، قبل أن يتوفاه الأجل الأسبوع الماضي.
لم يعرف عن الروائي الكولومبي الشهير أنه كان صديقاً للقادة الأميركان، ربما باستثناء الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، الذي ربطته به صداقة عميقة بقدر ما ربطت خصمه الرئيس الكوبي الراحل فيدل كاسترو.
وفي كتاب مذكراته «حياتي» يروي كلينتون أن ابنته تلقت هدية ثمينة من ماركيز هي مجموعة رواياته مع إهداء بخط يد ماركيز وهو ماعده كلينتون تكريما كبيرا.
لم يعرف عن ماركيز إنه حقق اختراقاً في العلاقة الأميركية ـ الكوبية، التي بقيت متأزمة منذ أزمة الصواريخ وماتلاها مثلما لم يعرف عما يعرف بثعلب السياسة الأميركية هنري كيسنجر إنه حاول العمل على نزع فتيل أزمة كوبا مع بلاده، برغم ما ربطته من علاقات مع زعماء الاتحاد السوفياتي الكبار وقتذاك ليونيد بريجنيف واليكسي كوسيجين وإندريه غروميكو.
ولم يحاول كذلك مع زعماء الصين الكبار آنذاك ماوتسي تونغ وشوان لاي، برغم أنه تمكن من تحقيق أخطر إختراق حين فك العزلة الصينية مع بلاده، وكذلك دوره في العلاقة، التي ربطت في ما بعد الرئيس الأميركي ريتشارد نيسكون قبل أن تطيح به فضيحة «ووترغيت» مع بريجينف وكويسجين التي تكللت باتفاقيات سالت 1 وسالت 2.
كان من الواضح أن كيسنجر وبعد أن حقق أهم اختراقين في سياسة بلاده حيال الصين والاتحاد السوفياتي في سبعينيات القرن الماضي، وهو ما جعله يؤمن جانبا مهما من جوانب توازن القوى مع هاتين القوتين الكبريين وقتذاك، والآن كذلك مع تغيير في موازين القوى لكن ليس لصالح أميركا حاليا, إتجه نحو منطقتنا ليهندس على مدى نصف قرن كل ماحل فيها من خراب.
أنا لا أميل إلى من يقول إن كيسنجر خدم بلاده عبر هذه السياسة التي اتبعها منذ أن دخل على خط حرب أكتوبر وتداعياتها اللاحقة، وبالتالي يجب أن ننظر اليه من هذه الزاوية, أي خدمة بلاده دون النظر إلى ماخلفته سياساته من دمار وخراب دفعت ولا تزال تدفعه المنطقة وأجيال من أبنائها طوال النصف القرن الماضي.
فكونه خدم بلاده فهذا من باب تحصيل الحاصل كونه أميركيا في النهاية (يهوديا مهاجرا من أصل الماني)، لكن إذا كانت خدمة بلاده على حساب الآخرين وبالذات العرب والمسلمين، فينبغي أن يكون حسابنا معه مختلفا، لا سيما أنه الآن رحل عن عالمنا بعد أن دخل بالعمرين كما تقول مدوناتنا الشعبية.
صحيح أن كيسنجر بقي حتى الأيام الأخيرة من حياته يقظا ويؤخذ رأيه، فضلا عن زيارته للصين قبل شهور وهو في عمر المئة عام، لكنه يمثل تاريخا مختلفا على صعيد منطقتنا، بسبب ماخلفته سياساته العدائية بالمطلق لنا كعرب ومسلمين.
يكفي أن أقول إن له دورين من أخطر الأدوار رسمت كل خرائط الخراب التي حلت بمنطقتنا.
الدور الأول أثناء حرب أكتوبر، حيث تمكن من تحويل النصر العربي إلى هزيمة.
والدور الثاني حين دخل على خط المفاوضات بين مصر وإسرائيل عبر مباحثات فك الاشتباك باتباع دبلوماسية «الخطوة خطوة»، التي أكلت العرب خطوة خطوة يوم.. أكلت كل الثيران, بكل الألوان الكيسنجرية.