كتب جواد العطار: لكل حرب راية ولكل حدث كبير أيقونة… واذا كان لعملية طوفان الأقصى راية فإنّها وبلا شك تتمثل في بطولة وشجاعة مقاتلي الفصائل الفلسطينية وعنصر المفاجئة الذي أربك العدو الغاصب المتغطرس.
وإذا كان من أيقونة لحرب غزة فإنها ومن دون أدنى شك شجاعة أطفالها الذين يخرجون من تحت ركام القصف ليتحدوا آلة القتل والدمار الصهيونية بصورة حركت مشاعر العالم بأسره إسلامي وغير إسلامي، وقلبت معادلة التعاطف الدولي التي حاول نتنياهو ترسيخها في الأيام الأولى للعدوان… والسؤال: لماذا يستهدف العدو أطفال فلسطين؟.
القصة قديمة وليست جديدة لكننا نبدأ من أشهر محطاتها وهي قصة محمد الدرة أحد أطفال فلسطين ذي الاثني عشر عاماً الذي استشهد في قطاع غزة في الثلاثين من سبتمبر عام 2000، في اليوم الثاني من انتفاضة الأقصى، وسط احتجاجات امتدت على نطاق واسع في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية.
والتقطت عدسة المصور الفرنسي شارل أندرلان المراسل بقناة فرنسا الثانية، مشهد احتماء جمال الدرة وولده محمد، خلف برميل إسمنتي بعد وقوعهما وسط محاولات تبادل لإطلاق النار بين الجنود الإسرائيليين، وقوات الأمن الفلسطينية.
وعرضت هذه اللقطة التي استمرت لأكثر من دقيقة مشهد احتماء الأب وابنه ببعضهما البعض ونحيب الصبي وإشارة الأب لمطلقي النيران بالتوقف، وسط إطلاق وابل من النار والغبار، وبعد ذلك سقوط الصبي على ساقي أبيه واستشهاده ليصبح أيقونة الانتفاضة؛ انتفاضة الأقصى وبعد التشييع في جنازة شعبية تخلع القلوب، مجّد العالم العربي والإسلامي محمد الدرة باعتباره شهيداً.
حازت لقطة الصبي ووالده على ما أطلق عليه جيمس فالوز في موقع ويكيبيديا على الإنترنت، بأنه «قوة راية المعركة».
نعم إنه الشعب الفلسطيني الذي حمل جيلاً بعد جيل قضيته من دون توقف أو هوادة يحدوه الأمل بالانتصار وطرد الصهاينة الغزاة، ورغم مضي أكثر من سبعة عقود تقريباً على المؤامرة ضد العالم العربي والإسلامي عامة والشعب الفلسطيني خاصة، بزرع هذا الكيان الغاصب في قلب الأمة، يثبت هذا الشعب قوته وعنفوانه في المطالبة بحقوقه المشروعة، رغم كل الضغوط من الأعداء وقوى الغرب الكبرى وحتى بعض الأشقاء والأقرباء.
لقد حمل الشعب الفلسطيني روحية المقاومة بشكل أذهل العالم، وأكثر ما في موضوعه إثارة هو روحية انتفاضة الحجارة التي قادها أول الأمر أطفال المدارس الصغار لتنتقل إلى الكبار، وتستمر رغم تنكيل قوى الاحتلال حتى بالأطفال وإرعابهم بصنع عربات عسكرية تطلق حجارة قاتلة وبكميات كبيرة، لتقف أمام الصبية الصغار متحيرة وعاجزة، بعدها لجأت القوة العسكرية الغاشمة إلى التنكيل بالأطفال وتعذيبهم وإبادتهم أن استلزم الأمر حتى وصل الرقم إلى أكثر من ٢٢٧٠ طفلاً شهيداً منذ عام ٢٠٠٠، وسط سكوت وصمت مطبق من منظمات العالم الإنسانية على هذه الجرائم التي يندى لها جبين البشرية، والتي ضربت عرض الحائط بنود القانون الدولي الإنساني الذي يقر بأحكام خاصة لحالة الاستضعاف والاحتياجات الخاصة للأطفال في النزاعات المسلحة.
لكن هل أوقف الإرعاب والتنكيل وحتى القتل والتمثيل بجثث الأبرياء وهدم دور أسرهم تلك الروح الوثابة؟.
لا نجافي الحقيقة إذا قلنا إن هذا الشعب لا يرهبه شيء ولن يوقفه أحد عن نيل حقوقه مهما طال الزمن، واليوم ها هم أطفال الحجارة شباباً منضوين في فصائل المقاومة الفلسطينية وبعد أن أذاقوه الويل بالحجارة قبل قرابة العشرين عاماً، يمطرونه صواريخ وحمماً تدك معاقله وتفزع مستوطنيه الغاصبين في عملية طوفان الأقصى، وحتى الجيل الجديد الذي يحاول العدوان الغاشم إرهابه بقنابل الأطنان المدمرة التي تسقط على أرض غزة العزيزة، والتي راح ضحيتها الآلاف من الأطفال في شهر واحد، وهو ما يعادل أكثر مما سقط من ضحايا الأطفال في كل نزاعات العالم خلال أربع سنوات طبقاً لإحصائيات أممية، فإنّه لن يثني تلك الأيقونة عن تحرير أرضها في العقد المقبل أن لم يذعن العالم لمطالب هذا الشعب وحقه في الحرية وبناء دولته… وعلى الباغي تدور الدوائر والحق لن يموت ما دام وراءه مطالب.