إثراء طبقي وإفقار مجتمعي
كتب حسين رشيد: بعد 20 عاما من التغيير النيساني 2003 ماتت أحلام الناس وامالهم بنظام حكم يؤمن ولو بنسبة ضئيلة بقوانين العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات على أبناء الشعب بالتساوي كما نص الدستور المصوت عليه في العام 2005.
حيث كانت تلك الأحلام تعوم في أخيلة الناس، لكنها فشلت في مواجهة تيار تحالف الفساد والسياسة الذي برع في تحويل الملكيات العامة إلى أموال خاصة بقوانين وقرارات لم تأخذ من الوقت الكثير لإقرارها والعمل بها فورا، عكس أية قرارات يمكن أن توفر ولو جزءاً من العدالة في نيل الحقوق وتنفيذ الواجبات
إلا أن الذي حصل الحقوق من حصة القادة والزعماء السياسين ورجال الدين ومن يدين لهم بالولاء والطاعة، وهنا أيضا تختلف مكانة كل شخص وما يقع عليه من واجبات ويناله من حقوق تحت شتى المسميات.
حسب وزارة العمل والشؤون الإجتماعية والتي تبلغ حصتها في الموزانة لعام 2023 قرابة 6 ترليونات دينار، إن 600 الف أسرة مشمولة برواتب الرعاية الاجتماعية التي تترواح بين 100 – 175 الف دينار شهريا، وهذا سعر وجبة طعام بسيطة في احد المطاعم الكبرى التي اخذت تنتشر في العاصمة بغداد ومدن البلاد الأخرى.
600 الف عائلة مشمولة بقانون الرعاية وهو رقم أقل من العدد الحقيقي غير المعلن أو لنقل إن بعض الأسر المشمولة لم تكمل الإجراءات القانونية للحصول على المنحة الشهرية، يضاف الى ذلك من قراية مليون موظف حكومي يعملون بأجور شهرية، لا تسد حاجة أسرهم من مستلزمات العيش الكريم الذي يفترض أن النظام الحاكم يوفره للناس، إذ يذهب المرتب الشهري مياشرة الى إيجار البيت/ المولدة الكهربائية وهما حاجتان أساسيتان، وتبقى بقية الأمور من الطعام/ الشراب/ الانترنت/ الكماليات الأخرى توفر حسب ما تبقى من المرتب، وما يضاف له من عمل آخر.
بقية أعداد الموظفين والتي تصل الى 3 ملايين موظف بينهم تفاوت كبير، فموظفو الدرجات الخاصة والمدراء العامون ومدراء الدوائر ومن على مقربة من مناصبهم، وأصحاب الشهادات خاصة ممن نالوها أثناء الخدمة الوظيفية من جامعات لبنانية وإيرانية هؤلاء قد يدخرون من مرتباتهم الشخصية، وإن لم يدخروا فهم يتمتعون بوفرة مالية تمنحهم الإطمئنان والراحة، وتجبرهم على حماية النظام والدفاع عنه.
مقابل ذلك وما لم يتم التطرق له من نسب الفقر، والبطالة، وعمالة الأطفال، والمتاجرة غير المشروعة، وأعداد الخريجين سنويا، ثمة شرائح أخذت تتجمع وتكون طبقة اجتماعية تنمو بشكل مخيف، فيهم من وصل إلى مرحلة الثراء الفاحش بوقت قياسي، بعض هؤلاء لم يكن من أصحاب الملايين بل حتى الآلاف أيام النظام السابق، وحتى في السنين الأولى للتغيير، لم تتوضح صور الثراء كما حصل في العشر سنوات الأخيرة، وموجة الإستثمارات المخيفة في قطاعات استهلاكية غير منتجة، سهل مهامها وانتشارها المال السياسي والأملاك العامة، التي تم الاستيلاء عليها تحت شتى أنواع المشاريع الإستثمارية يقف في مقدمتها المولات والمراكز التجارية، والمجمعات السكنية ومعارض السيارات الحديثة اذ يقول احد تجار السيارات ان قيمة ما موجود في معرضه الخاص ببيع السيارات الفارهة يصل الى 20 مليون دولار غير ما يتم شحنه من موديلات السنة المقبلة، مقابل ذلك هناك مليون تكتك وستوتة منتشرة في الأحياء الشعبية التي قد يصادف أن تجد في أحد أزقتها «ستوتة أو تك تك بجوار سيارة جكسارة أو لكزس» لكن حتما لن ترى «تيسلا، ولامبورغيني، وفيراري، ورولز رويس، ومازيراتي، وكاديلاك وغيرها من سيارات تترواح اسعارها بين 100 – 250 ألف دولار أمريكي»، ويصادف أيضا أن ترى أمام أحد البيوت 500 ألف دولار أمريكي على شكل سيارات فارهة، ويصادفك أيضا الكثير ممن ينقبون في أكوام النفايات.
نعم قد يكون الغنى والفقر مسألة اعتيادية لكنها حين تكون بهذا التفاوت الغريب والكبير، في فترة زمنية قصيرة نسبيا في زيادة الأموال والأملاك، فهذا يعني أن ثمة خللا كبيرا في النظام السياسي، وعيب أكبر في المنظومة الاقتصادية، التي أنتجها هذا النظام، والتي أنتجت شريحة ثرية جدا أخذت تتحكم بشؤون السياسية والمال وتنافس رجال الدين والزعماء الاحزاب، وربما تتفوق عليهم في المستقبل، أو قد ينتج تحالفا يجمعهم يدوم بقاءه حسب الوعي المجتمعي والصدمات التي سيتلاقها الناس من الثلاثي المرعب.