كتب/ باسل عباس خضير: تشهد أسعار العقارات ارتفاعات حادة وغير معقولة في بغداد ومعظم المحافظات، ووصلت تلك لأسعار لأرقام تثير كثيراً من السخرية والاستهجان لدرجة إنها باتت تتفوق على الأسعار في الكثير من الدول، رغم ما يعانيه بلدنا من نقص في الخدمات وشدة الازدحامات وتقلب الطقس وغيرها من العوامل التي جعلتنا في مقدمة الدول الأكثر تعاسة بين البلدان.
ولو كان مصدر الطلب على شراء العقارات غير محلي ويفضي لتشجيع حركة البناء والاستثمار ودخول الثروات لكان الأمر مرحباً به ومقبول، ولكن واقع الحال يؤشر إن معظم الطلب محلي المصدر وبعضه فيه شبهات ومن قبل أفراد وشركات لا تتناسب أوضاعهم المادية مع السائد من الأسعار، وتلك الحالات تزداد يوماً بعد يوم دون إجراءات وحلول، ففي بعض المناطق التي يسمونها راقية أو مرغوبة في بغداد والمحافظات، ما إن يعرض عقار للبيع إلا وخضع للبيع من خلال دلالين ووكلاء قام البعض بتوكيلهم لشراء ما يعرض هنا وهناك وبالأسعار التي يحددها البائع.
لدرجة إن الكثير من معروض العقارات لم يعد بنية البيع الحقيقية وإنما لجس نبض الأسعار، حيث يقوم المالك بعرض سعر معين وعندما يقع الطلب على هذه السعر يعزف عن البيع ثم يعرضه للبيع مرة أخرى بسعر أعلى اقرب للخيال في الأسعار ثم يجري البيع بالفعل، ورغم إن القضية معروفة إلا إن البعض يسال عن سر الطلب العالي الذي نشأ على العقارات في الثلاث سنوات الأخيرة، كما يستغرب البعض من موقف الدولة التي لم تبدي اهتماما أو تجد حلولاً لارتفاع أسعار العقارات، والتي بددت آمال الكثير في الحصول على سكن مناسب بالمال الحلال المتيسر لإنقاذ عوائلهم من الإيجار.
ورغم وجود من يعتقد بأن الدولة تشترك مع القطاعات المعنية المقصرية والقصور في إيجاد الحلول الناجعة لارتفاع الأسعار، والذي يعود للاختلال بين الطلب والعرض على العقارات في ظل توارث مشاكل السكن وما اتبعها من زيادة في السكان وإن حركة التشييد والبناء لا تتناسب مع حجم أزمة السكن أو غيرها من الأسباب، إلا إننا نعتقد بأن الأجهزة المعنية في الدولة بإمكانها إن تستخدم حلاً لتقليل الغلو بأسعار العقارات وخفضها وإبقائها بحدودها المعقولة على الأقل بإجراء واحد لا يكلفها دينار.
ونقصد بهذا الإجراء هو مساءلة المشتري عن مصدر الأموال التي يتم بها الشراء بالدينار أو الدولار، وهذه المساءلة تقتضي تقديم الأدلة والوثائق التي تثبت الحصول على المال بالطرق المشروعة كشرط أساسي لقبول معاملات البيع والشراء والهبات وانتقال الملكية للعقارات بمختلف الأنواع والمساحات والصنوف، وهو إجراء يفترض أن يكون معمول به لكل الحالات تحت عنوان (من أين لك هذا) لكنه غير مطبق على العقارات، فالوضع الحالي لمعاملات البيع والشراء والتسجيل لمختلف أنواع العقارات (السكن، الزراعي، الصناعي، التجاري، غيرها) التي تمر بها المعاملات بمختلف الدوائر ورغم إجراءاتها البيروقراطية المعقدة تخلو من هذه المسألة، بما يتيح المجال لكل من هب ودب لشراء وبيع العقار دون البحث عن مصدر الأموال ومن أين جاءت والى أين تذهب، وهو إجراء متبعا (شكلاً) في بعض المعاملات في المصارف الحكومية ولكنه يعاني الغياب في العقارات.
وقد يعتقد البعض إن وضع هذا القيد يتعارض مع مبدأ الحريات وحق التملك المضمون بدستور العراق لعام 2005 أو غيره من التشريعات، ولكنه اعتقاد غير دقيق لان أ ساس أي تصرف الشرعية والمشروعية وبالأخص الشفافية في التعاملات.
والشفافية لها مجموعة من المتطلبات ومنها الكشف عن الذمم ومصدر الأموال وهو إجراء مجتمعي مهم يقينا الكثير من اللامشروعية في الفساد والاحتكار والتحايل والانتحال وإخفاء الحقائق والتدليس والتضليل، ولو كانت الشفافية مطبقة في معاملات شراء وبيع العقارات لاستطاعت الدولة بأجهزتها المختصة الكشف عن أسرار وخفايا الفساد والحد منه بكل الأنواع والأشكال والأصول، فليس من المعقول أن يتملك كثيرون عقارات بالملايين أو بالمليارات وهم بواقع الحال عاطلين أو موظفين أو متقاعدين أو ربات بيوت أو حرفيين أو غيرهم، ومن الواجب والضرورات أن يكشفوا عن أساس الأموال للتأكد من سلامة مصدرها سواء كانت من إرث أو إرباح أو مبيعات خضعت للضريبة، أو كانت من تحويل خارجي بحوالات أصولية أو من ادخار معقول أو غيرها فالمهم هو التأكد بأن يكون المصدر صحيح وسليم ومعقول ويوازي مبلغ العقار.
ومن حق البعض السؤال عن الجهة التي يمكن أن تتولى التدقيق في مصادر هذه الأموال والضمانات المتعلقة بعدم تعرضها للاختراق والفساد وإمكانية أبعادها عن الضغوطات والحصانة التي يجب ان يتمتع بها العاملون فيها أو سواها من التساؤلات، وهي أمور لا نريد الخوض في تفاصيلها لأن المهم أولاً إن تقتنع الدولة بأهمية توفر هذا الشرط والقناعة بها كونها أداة ستغلق كثيراً من أبواب ومنافذ الفساد، سيما عند وضع الرقابة على التحويلات الخارجية وتعرض الكثير من الدول الحاضنة لأموال الفساد لأزمات مالية أوقعتها بحافة الإفلاس وعرضت عملتها للانحدار.
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا في موقع التلغرام: النعيم نيوز
ولمتابعتنا على موقع فيسبوك يرجى الضغط أيضا على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
ولا تنسى أيضا الاشتراك في قناتنا على موقع الانستغرام: النعيم نيوز