مقالات
أخر الأخبار

وضعنا المائي الحرج

كتب د. صادق كاظم: منذ 3 سنوات والبلاد تعاني من نقص متزايد ومتفاقم في المياه وتقف الجارة تركيا، فضلاً عن المناخ وراء أخطر أزمة يعاني منها العراق منذ التأسيس ولغاية الآن، فثروة البلاد من المياه مهددة بالنضوب، والأرض بات الجفاف ملازماً لها منذ سنوات عديدة، وهي آخذة بالتناقص، واذا استمر الحال هكذا، فلن نجد ما نزرعه بعد اليوم.

 

الأتراك الذين ينبع نهرا دجلة والفرات من أراضيهم مما يشكل 70% من أصل إيرادات البلاد المائية مقتنعون بأن على العراق القبول بالواقع الحالي، وأن الكميات التي تصل إليه كافية لأغراض الشرب والحد الأدنى من الاستهلاك المائي المتعدد الأغراض، فزمن الوفرة والفيضانات بحسب رأيهم قد انتهى، وأن على العراق التخلي عن نهر الفرات كلياً والاكتفاء فقط بنهر دجلة، مع منع وصول المياه إلى شط العرب، عبر إقامة سد حاجز في جنوب العراق.

كما يشترطون أيضاً بالتخلي عن الأهوار، وعن عدد من البحيرات الكبيرة والتراجع عن زراعة مساحات شاسعة من أراضينا، مقابل إطلاقات مائية محدودة يقررها الأتراك أنفسهم وليس العراق ومن دون أخذ رأيه أو مشورته.

أكثر من 5 اتفاقيات وعشرات الاجتماعات التي جرت لم يتم الالتزام بها من قبل الجانب التركي، الذي تجاهل كل المطالب العراقية وأخذ في التوسع في بناء السدود وإقامة البحيرات، التي تشغل محطات توليد الطاقة الكهربائية العملاقة وتروي المساحات الواسعة من الأراضي الزراعية لإنتاج المحاصيل المختلفة، والتي أعدت لأغراض التصدير إلى العراق وسوريا ودول الخليج، وليس بعيداً أن قطع المياه عن العراق بهذه الصورة المخيفة والبعيدة كل البعد عن الإنسانية، تأتي ضمن هذا المخطط، فالأتراك يعلمون أن العراق يعتمد اعتماداً كلياً على المياه، التي تأتيه من تركيا وهو ليس لديه أي نهر داخلي يوازي من حيث الأهمية نهري دجلة والفرات، وما عدا ذلك فهناك عيون وينابيع ومياه جوفية وهي كلها غير كافية لتلبية متطلباته المائية، وهي قابلة للنفاذ في غضون سنوات قليلة عند استخدامها بشكل مفرط.

كل هذه المعاناة قد تم تجاهلها, بل إن المعلقين الأتراك، وكذلك الصحافة هناك يلقون باللوم على العراق، لأنه لا يعمل على ترشيد استهلاكه المائي ومراجعة أنظمة الري لديه، وهذا أمر غير مقبول، فأنظمة الري وحدها ليست مسؤولة عن شح المياه، فليست هناك كميات فائضة من المياه، حتى يتم إهدارها أصلاً والتقنيات الحديثة صحيح أنها تساعد في تقنين استهلاك المياه، لكنها ليست الحل الأمثل، وعلى هذا الأساس ترى تركيا أنها ليست ملزمة بتزويد العراق بالمياه بالكميات الكافية، فهي بحسب ادعائها تعتبر نهري دجلة والفرات ليسا نهرين دوليين، كي تنطبق عليهما أحكام القانون الدولي للمياه، بل مجرد أنهار عابرة للحدود، وذلك كونهما ينبعان ويجريان عبر الأراضي التركية، وصولاً إلى العراق وتستند في تفسيرها إلى نظرية قديمة تمنحها السيادة المطلقة في التصرف بما يقع ضمن أراضيها، بما في ذلك مياه الأنهار دون قيد أو شرط، والتي تعتبر بموجبها بأن من حقها إقامة أية مشاريع للانتفاع من مياه النهرين, بل وحتى تغيير مجرى الأنهر بغض النظر عن الأضرار التي تلحق بالدول الأخرى.

أزمة المياه لها انعكاساتها الخطيرة على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للعراق، فهي ستقلص كثيراً من حجم القطاع الزراعي من خلال تناقص المساحات والأيدي العاملة فيه، وستؤدي إلى هجرات واسعة وتخلي المزارعين عن قراهم وأراضيهم، وربما ستختفي قرى ومناطق زراعية بأكملها وستتحول إلى صحارى قاحلة، مما سيؤدي إلى حدوث اضطرابات وصراعات، ومن المؤكد أن مهنة الزراعة التي اشتهر بها العراق منذ فجر التاريخ ستختفي إن بقيَّ الأمر هكذا.

العراق وبحسب مبادئ القانون الدولي يعتبر نهري دجلة والفرات دوليين طبقاً لتعريف الأمم المتحدة، الذي يقول إن النهر الدولي هو المجرى المائي الذي تقع أجزاء منه في دول مختلفة، وإن التوصل إلى اتفاق ثلاثي مع تركيا وسوريا وإيران، لتحديد الحصص المائية لكل دولة على أسس عادلة، وبالاعتماد على القانون والعرف الدوليين يمثل الحل الأمثل والمطلوب لهذه الأزمة المتكررة، إضافة إلى إمكانية استخدام ورقة الضغط الاقتصادي لإقناع الاتراك بمراجعة موقفهم المائي من العراق، خصوصاً أن الاتراك يستغلون حالة الانقسام والتشتت السياسي والقدرة العسكرية المحدودة للبلاد، لجعل بلادنا تموت عطشى من دون أن يرف لأنقرة أي جفن.

 

لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا في موقع التلغرام: النعيم نيوز

ولمتابعتنا على موقع فيسبوك يرجى الضغط أيضا على الرابط التالي: النعيم نيوز

كما يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية

ولا تنسى أيضا الاشتراك في قناتنا على موقع الانستغرام: النعيم نيوز 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى