كتب أ.د. طلال ناظم الزهيري: في عصر يشهد تزايد الترابط بين مؤسسات التعليم العالي على الصعيد العالمي، باتت التصانيف الأكاديمية تلعب دوراً محورياً في توجيه بوصلة الطلاب، والأكاديميين، وصانعي السياسات التعليمية.
هذا التوجه يجسّد أهمية الجامعات التي تحتل مراتب متقدمة في قوائم التصنيف، مثل جامعات هارفارد، أكسفورد، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا التي تتصدر هذه القوائم بانتظام. بسبب مجموعة من المعايير التي يرى الكثيرون أنها تفضل نماذج التعليم الغربية.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ التصنيفات العالمية للجامعات هي عبارة مؤشرات تقوم بقياس جودة مؤسسات التعليم العالي وأدائها على مستوى العالم، وفق مجموعة من المعايير. ومن أهم هذه التصنيفات:
تصنيف QS العالمي للجامعات (QS World University Rankings): يقيم هذا التصنيف الجامعات بناءً على عوامل مثل السمعة الأكاديمية، نسبة الطلاب إلى الأساتذة، السمعة لدى أرباب العمل، الاستشهادات البحثية لكل عضو هيئة التدريس، ونسب الطلاب والأساتذة الدوليين.
تصنيف شنغهاي الأكاديمي للجامعات العالمية (ARWU): يُعرف أيضاً بتصنيف جياو تونغ شنغهاي، يركز على جودة التعليم، جودة أعضاء هيئة التدريس، الناتج البحثي، والأداء الأكاديمي لكل باحث.
تصنيف التايمز للتعليم العالي (THE World University Rankings): يتضمن التقييم على أساس التدريس، البحث، نقل المعرفة، والنظرة الدولية. كما يُعطي وزناً كبيراً لاستبيانات السمعة.
في سياق متصل تجد الجامعات العراقية نفسها، رغم ثرائها التاريخي والإمكانيات الكامنة فيها، في مواقع متأخرة أو خارج هذه التصانيف العالمية، وذلك ليس لضعف الامكانيات أو الجودة، بل لعدم التوافق بين معايير التصنيف الدولية وواقع التعليم في العراق.
أو لصعوبة التحقق من بياناتها. بالتالي إن المعايير المتبعة دولياً نادراً ما تعكس عراقة الجامعات العراقية، وقدرتها على الابتكار، وخصوصية مساهماتها في مجالات التعليم والمجتمع. فضلاً عن تجاهلها للظروف القاهرة التي أحاطت بها خلال العقدين الماضيين.. ومع الاعتراف بذلك، هناك إجماع ناشئ على أنه يجب على العراق تطوير نظامه الخاص بتصنيف الجامعات – ليكون نظاماً مصمماً خصيصاً، ليتناسب مع السياق العراقي ومحصناً ضد التأثيرات السياسية والأيديولوجية الخارجية.
وينبغي أن يكون في قلب هذا النظام الجديد تقييم آلية اختيار القيادات الإدارية بالجامعة. إن مستوى القيادة داخل المؤسسات الأكاديمية أمر بالغ الأهمية، ومن ثم، فإن الكفاءة العلمية والسجل الحافل في الأوساط الأكاديمية، يجب أن تكون وحدها المؤشرات الأساسية لمثل هذه التعيينات. ومن خلال فصل عملية الاختيار عن تأثير ونفوذ السياسيين، تستطيع الجامعات العراقية التأكد من أن قيادتها مستعدة لتوجيه مؤسساتها نحو التميز في البحث والتدريس والتأثير المجتمعي.
ومن شأن نظام التصنيف الجديد هذا أن يستلزم تشكيل لجنة وطنية – تتألف من أكاديميين ومهنيين مرموقين، مستقلين وبعيدين عن الانتماءات السياسية – للإشراف على تنفيذ التصنيف وضمان نزاهته.
إن استقلالية اللجنة أمر بالغ الأهمية للحفاظ على مصداقية وحيادية عملية التصنيف. ويمكن أن يتبع الجدول الزمني المقترح لهذه المبادرة دورة سنوية أو كل سنتين، مما يوفر الوقت الكافي للجامعات للتركيز على التحسينات المستدامة، بدلاً من المكاسب قصيرة المدى.
ومن الممكن إصدار التصنيفات بطريقة متدرجة، مع تسليط الضوء على فئات أو مؤشرات مختلفة في نقاط مختلفة على مدار العام للحفاظ على المشاركة العامة والتركيز المؤسسي. وسيكون تشكيل هذه اللجنة الوطنية بمثابة مرحلة فارقة للتعليم العالي العراقي. وتشمل مسؤولياتها ما يلي:
إنشاء ومراجعة معايير التصنيف للتأكد من أنها تظل ذات صلة وتعكس المشهد التعليمي المتطور.
الإشراف على عملية جمع البيانات وتحليلها لضمان الدقة والعدالة.
نشر تقرير سنوي يفصل أداء الجامعات، ويقدم نظرة ثاقبة حول نقاط القوة والفرص المتاحة لكل مؤسسة.
لذا نعتقد واثقين أن وجود نظام التصنيف الوطني هذا لن يقدم صورة أكثر دقة لترتيب الجامعات العراقية فحسب، بل سيكون أيضاً بمثابة سبيل لتوجيهها نحو القدرة التنافسية الدولية وفقاً لشروطها.
ومن شأنه أن يدافع عن السمات الفريدة للتعليم العالي العراقي، ويسلط الضوء على الإنجازات في المجالات الأكثر أهمية لتنمية البلاد.
ومن خلال تعزيز ثقافة شفافة وقائمة على الجدارة في تعيينات القيادات الأكاديمية وإنشاء إطار تصنيف قوي مملوك وطنيا، والسعي لاختيار المسار الأكاديمي الوطني يستطيع العراق بناء نظام تعليم عالٍ لا يلبي المعايير الدولية فحسب، بل يحترم ويعكس تراثه الأكاديمي والثقافي المميز. يمكن لهذا الزخم التقدمي أن يلهم فصلاً جديداً في تاريخ التعليم العراقي، فصلاً يتم فيه الاحتفاء بجامعاته لقيمتها وإمكاناتها الحقيقية، على المستوى المحلي والعربي والعالمي.