مقالات
أخر الأخبار

مهددات القيم الأخلاقية ومواجهتها

كتب د. عبد الواحد مشعل: يواجه المجتمع العراقي في المرحلة الحالية جملة من المهددات، التي تستهدف منظومته الأخلاقية، وتؤشر في مرحلة من أشد مراحل التحول الثقافي خطورة، إذا ترك الأمر دون فهم واعٍ لواقع الشباب.

 

ولعل أبرز تلك المهددات الأخلاقية، وقت الفراغ الطويل دون وجود ما يشغل حياتهم اليومية من نشاط أو عمل، ما يخلق ظروفاً صعبة وحياة قلقة، ومشكلات أسرية وحالة من الاكتئاب والضياع، تؤدي بشكل أو بآخر إلى سلوكيات منحرفة عن قيم المجتمع وعاداته الاجتماعية، مثل تعاطي المخدرات والانخراط في جماعات الجريمة بأنواعها المختلفة.

فضلاً عن سلوك الخداع والنصب والاحتيال والكذب، كما يعد الاستخدام السيئ أو غير الواعي لوسائل الاتصال المختلفة، من أبرز تلك المهددات التي تواجه الكثير من أبناء المجتمع بفئاته العمرية المختلفة لما تنقله بعضها وتروج له من عادات غريبة عن مجتمعنا، لا سيما في مرحلة الطفولة والمراهقة يقعون في دائرة ثقافية وقيمية مقلدة، تتقاطع مع قيم أسرهم ومجتمعهم، بحيث تصبح مواعظ وإرشاد الآباء والأمهات والمعلمين المجرد والشفهي عديم الجدوى.

فالثقافة الجديدة تفرض على هذه الفئات قناعات لا تنفع معها الأساليب التربوية التقليدية بشيء، فما تطرحه وسائل الاتصال من أفكار وما تبثه من صور حياة متغيرة ومتنوعة من مختلف العالم، تجعل عملية التأثير في قيمهم الأخلاقية فعالة ومؤثرة، إذا ما تقترن بوسائل تطبيقية وعملية قادرة على الإقناع، فغياب التوافق الثقافي يضع الأجيال الجديدة أمام حالة من التمرد أو عدم الاهتمام ما يوجهه الآباء والأمهات لهم من النصح أو التذكير بقيم الأجيال التقليدية لأسرهم ومجتمعهم.

إذ تعد الفجوة بين ثقافة الآباء وثقافة الأبناء من اكبر المهددات التي تواجه الأجيال الجديدة في بيئتهم الأسرية، ناهيك عن الأساليب التربوية التقليدية في المدارس والجامعات، التي لم تتمكن من تحديث أساليبها بما يتناسب والتحولات الثقافية في العالم، فضلاً عن وجود مهددات أخرى مثل عدم اشباع الحاجات المختلفة، وغياب المؤسسات الترفيهية وضعف النشاطات الرياضية والفنية في تنمية الذوق وتعزيز ثقافة التعامل مع الآخر.

ويظهر أن هذه الأجيال قد تجاوزت أجيال الآباء والأمهات في فهم قناعاتهم، وأصبح لديها قيمها التي تتلاءم مع الحالة التي يعيشونها، وفي هذا المجال ينبغي الإشارة إلى أن ثقافة هذه الأجيال قد لا تكون سلبية على وفق ما يعتقده آباؤهم وأمهاتهم، بقدر ما يمكن اعتباره في تصورات العالم المعلوماتي الحديث، حالة تنسجم مع التحولات الثقافية في عصر التحولات المفصلية في تاريخ الإنسان الحديث، الذي يمتلك أدوات وآليات عملية وتطبيقية تختلف عن حالة المواعظ والتوجيه المباشر، وما يمكن أن ينتج عنه بناءات ثقافية تنسجم مع تلك التغيرات الثقافية.

ولعل خلق أجواء من الاستيعاب لثقافة الأجيال الجديدة والقدرة على التعامل معها بعيداً عن الانتقاد الحاد والمستمر دون القدرة على خلق أجواء جديدة من البيئات الثقافية التقويمية تنسجم مع أفكار الأجيال الجديدة، وأن القدرة على فهم ماهية تلك الأفكار وتهيئة مستلزمات وحاجات الإنسان وإشباعها، يؤدي إلى إنقاذ هذه الأجيال من حالات الانحراف أو الوقوع في شرك الجريمة والعنف.

فالتفاعل مع التحولات الاجتماعية من قبل الأسرة والمؤسسات التربوية من شأنه أن يعالج ما ينتج عن تلك التحولات من سلوكيات قد لا تكون محط قبول المجتمع، لذا فإن الانتقال إلى حالة الاستيعاب وفهم لغة الأجيال الجديدة، يكونان هما الأسلوبان الأكثر نفعاً في الحفاظ على ثوابت القيم الأخلاقية للمجتمع.

وفي الوقت نفسه تكون الطريقة الأكثر قبولاً، لتقديم قراءة معاصرة لثقافتهم لآليات التحول الثقافي في عالم معرفي واتصالي فاعل، ولا يأتي ذلك من خلال الطروحات النظرية، إنما يحتاج إلى تنمية بشرية فاعلة وهادفة توجه عملية التغير الثقافي مقترنة بنهضة علمية وصناعية.

وهذا بمجمله لا يأتي إلا عن طريق توفر الإرادة الصلبة لدى صانع القرار في البلاد لإجراء ذلك، بما يمكنّ الإنسان من التفاعل مع الحياة العصرية، بما يتوافق مع الجذر الثقافي والقيمي لمجتمعنا، وهذا لا يمكن الحفاظ عليه وتعزيزه، إلا إذا فهمنا ماهية هذه المهددات ومعالجة ما ينتج عنها من تغيرات ونتائج، عن طريق عملية الاستيعاب والتعديل بعيداً عن حالة الانتقاد والمواعظ المجردة.

 

 

لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا في موقع التلغرام: النعيم نيوز

ولمتابعتنا على موقع فيسبوك يرجى الضغط أيضا على الرابط التالي: النعيم نيوز

كما يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية

ولا تنسى أيضا الاشتراك في قناتنا على موقع الانستغرام: النعيم نيوز 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى