كتبت نازك بدير: بعد دخول الحرب على غزة شهرها السادس، تزداد صلابة المقاومة في وجه غطرسة العدوّ الذي يمعن في ارتكاب المجازر بحقّ المدنيين، وحصارهم، وتجويعهم، والتنكيل بهم، وملاحقتهم إلى مراكز الإيواء، حيث يتعمّد الطحين بالدم، ويغدو الرغيف حلماً شهيّاً، وتُعتصر الطفولة بين المكابدة في البحث عن القوت، وبين محاولة استرداد طيف حياة ما قبل الحرب.
العدوان الهمجيّ الذي يشنّه الكيان على قطاع غزة لم يكن هدفه كما هو معلن القضاء على حركة حماس والفصائل المقاومة واسترجاع الأسرى، بل هو يسعى إلى تدمير بلد عن بكرة أبيه بكلّ ما فيه من بشر وشجر وحجر، وتحويله إلى أرض محروقة تستحيل الحياة فيها ضمن مشروع «إسرائيل» الاقتصادي، والطموح التاريخي بإنشاء قناة بن غوريون التي ستربط بين البحرين الأحمر والمتوسط، لتكون بديلاً في المستقبل عن قناة السويس، وتحقّق الاستقلاليّة في سلاسل التوريد، وتحدّ من الاعتماد على الدول الأخرى في المواد الغذائيّة، والطاقة وسواها.
وعلى الرغم من الإمدادات العسكرية من لدن الولايات المتحدة والدعم الذي تحظى به قوات العدو في عدوانها على الفلسطينيين، غير أنها أخفقت في الوصول إلى أي من قادة المقاومة أو إلى تحرير أسراها، ولا يزالون يمعنون في استهداف المدنيين وحصارهم وقتل الأطفال والنساء والشيوخ على مرأى من العالم أجمع.
تشير التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة أن سكان غزة مهددون بالمجاعة، ولم يتبقّ في القطاع ما يؤكل، أمّا المياه الجوفيّة فتبلغ نسبة 97% منها غير صالحة للاستهلاك.
في أجواء هذه المجاعة، يعيش أهالي غزة شهر رمضان، ولعلهم باشروا مع أطفالهم رحلة صوم طويل قبل رؤية الهلال، في الوقت الذي تتزين فيه شوارع البلدان العربية ابتهاجاً بحلول الشهر الكريم، وتقام المآدب الفاخرة، ويتنافس أربابها في استعراض أسماء المدعوين وأعدادهم، على المقلب الآخر، أطفال جوعى فقدوا أمهاتهم وآباءهم، نساء ثكالى، عائلات بأكملها تفطر على رغيف شعير، أين هم من حسابات الصائمين في الشهر الفضيل؟
السابع من أكتوبر، وما بعده، كان مفصلاً لإعادة تصويب البوصلة، ثمّة مَن» خانته الإعدادات»، قد يكون هذا الشهر المبارك فرصة لإعادة الحسابات في ظلّ التحوّلات القائمة، والقادمة والتي ستغيّر شكل المنطقة، والعالم.