أخبارمقالات
أخر الأخبار

غزة والإعلام الموازي

كتب طالب سعدون: لا يقتصر النصر في غزة على الجانب العسكري والاستخباري فقط، بل امتد إلى الجانب المعنوي ومنه الإعلامي وخاصة في الإعلام الموازي للإعلام الرسمي الغربي، الذي لم يستطع على مدى أيام الحرب الطويلة أن يطمس الحقائق.

لم يستطع الإعلام الغربي أن يتستر على حالة التراجع الكبيرة في الجيش “الإسرائيلي” أو أن يظهر المقاومة الفلسطينية على غير حقيقتها، وهي في تقدم وتزداد قدرتها يوماً بعد يوم في إلحاق أفدح الخسائر بالقوات الصهيونية عدداً وعدة.

لقد كشفت غزة أكاذيب كثيرة كان الغرب يتستر بها على جرائمه، ومنها ما يتعلق بحقوق الإنسان ليبتز أو ينال بها دولاً معينة تحت هذا الستار والشعار والإدعاء بأنهم حماتها والمدافعون عنها..

كما أظهرت غزة حجم التعاطف والتأييد ضد الجرائم الصهيونية التي كان الغرب يغطي عليها ويلاحق من يتحدث عنها، ومنها فكرة معاداة السامية التي استغلت لقمع كل انتقاد يوجه (لإسرائيل) بما في ذلك الانتقاد المشروع لأفعال تتعارض مع القوانين الإنسانية، ومنها جرائم الإبادة، وقتل الأطفال والصبيان والنساء وتدمير المنازل على ساكنيها، ومصادرة حق الفلسطينيين المشروع بإقامة دولتهم على كامل أرضهم..

لقد أحدثت غزة تطوراً كبيراً في الرأي العام الغربي لم يكن قبل السابع من أكتوبر بهذا الحجم، بل يكاد يكون معدوماً إلا من استثناءات قليلة.

فرغم قوة الإعلام الرسمي الغربي والأمريكي في إمكاناته المادية وقدرته على التضليل والخداع وتأييد (إسرائيل) في عدوانها، لكن الإعلام الموازي بما في داخل الكيان الصهيوني نفسه، إضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي عامة استطاع أن يكشف حقائق الهزيمة الصهيونية وحجم خسائرها الاقتصادية، ومنها هبوط قيمة عملتها (الشيكل)، وفقدان الفرص الاستثمارية في قطاع التكنولوجيا الذي كان هذا الكيان يفخر به، ويمثل رقماً متميزاً في الإنتاج والاقتصاد والموارد المالية على مستوى المنطقة والعالم، وتراجع الإنتاج العسكري خاصة في مجال التكنولوجيا الاستخبارية، بعد الضربة البطولية في السابع من أكتوبر وتراجع القدرة العسكرية بصورة عامة أمام ضربات المقاومة الباسلة، بما في ذلك ما يسمى بقوات النخبة الإسرائيلية – لواء (جولاني) وتراجع معنويات العسكريين.

ويقدر الخبراء حجم الخسائر العسكرية الإسرائيلية اليومية بحدود 250 مليون دولار.. وهو رقم كبير بلا شك. ومن هنا فإن الإعلام الموازي الغربي والإسرائيلي إلى قدر معين يمارس عملية مركبة: فضح الهزيمة وتعرية الجريمة.

كانت غزة درساً ليس للصهاينة ولا للمطبعين فقط ولكن للعرب جميعاً، إذ كان هناك من يتوقع أن (إسرائيل) ستنهي الحرب بساعات وربما بأيام قليلة لصالحها مثلما اعتادوا على ذلك، لكنها (إسرائيل) فوجئت بقوة المقاومة الباسلة وصمود الشعب الفلسطيني أمام الجريمة والآلة الصهيونية بكل إمكاناتها.

وهذا الأداء البطولي الفلسطيني والهزيمة الاسرائيلية غيّرا الموازين والتقويمات السابقة والآراء العسكرية والإعلامية عن هذا الكيان، مما دفع أحد الخبراء الاستراتيجيين العسكريين إلى التعجب والمقارنة بين (إسرائيل) السابقة والحالية والتساؤل: كيف مثل هذا الجيش وهو بهذه المعنويات الهابطة والأداء المتخاذل أن يهزم العرب في عدة دول في عام 1967 وفي معارك متفرقة لاحقة على مدى سنوات طويلة.. وهذا ما لم يحصل قبل غزة..

كل تلك المعطيات العسكرية والمعنوية والإعلامية ستجبر الكيان الصهيوني على التراجع والقبول مرغماً على التفاوض، ولكن ليس بالشروط الإسرائيلية أو في الأقل ما تتمناه بعد اليأس، الذي أصاب (إسرائيل)، والهزيمة أمام الرأي العام العالمي، ومنه الإسرائيلي عن الإخفاق بتحقيق أهدافها، التي تبجحت كثيراً بتحقيقها ومنها القضاء على المقاومة أو إرجاع الأسرى والمختطفين أو تحقيق مخطط تهجير الفلسطينيين. تلك أمور أصبحت من المستحيلات.. أو قل من الماضي في أقل تقدير كما يرى الكثير من المراقبين والمحللين.

غزة علامة مضيئة وتحول استراتيجي كبير في تاريخ المقاومة الفلسطينية وستكون المنطلق لعودتها لتحتل الصدارة من جديد في القضايا العربية، وتعود لها مركزيتها بعد أن تراجعت كثيراً عن تلك الدرجة بسبب هرولة المطبعين نحو هذا الكيان، بفعل الضغط الأمريكي أو الخوف الذي اعتلى البعض من تلك القوة الوهمية الإسرائيلية، التي أظهرتها غزة على حقيقتها بأنها نمر من ورق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى