أخبارثقافية
أخر الأخبار

عارف الساعدي: الشِّعرُ أوسعُ من كلِّ المدارس والاتجاهات

شاعرٌ استطاع أن يصل إلى طموحه وأهدافه في ساحة الشعر، دكتوراه في الأدب الحديث ونقده/ الجامعة المستنصرية /2011، عمل أستاذا في كليّة التربية/ الجامعة المستنصريَّة العام 2007.

 

حصل على لقب أستاذ مساعد العام 2014، حصل على لقب أستاذ (بروف) العام 2019، عضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، أمين الشؤون العربيَّة في الاتحاد من 2016 2019- ، عضو المجلس المركزي في الاتحاد، رئيس تحرير مجلة الأقلام، مدير عام دار الشؤون الثقافيَّة العامة، مستشار رئيس الوزراء للشؤون الثقافيَّة، أصدر ديوانه الأول {رحلة بلا لون} العام 1999، أصدر الأعمال الشعريَّة عن دار سطور العام 2018. التقيناه فكان هذا الحوار:
* لكلِّ شاعرٍ امتدادٌ ونقطة ميلاد، هل كان في مسقط رأسك أو بيئتك أو في أسرتك من كنتَ له وريث المشاعر ومحكماً للشعور لتكون شاعراً؟
– أجدادي الكبار يكتب معظمهم الشعر الشعبي والأبوذيَّات والدارميَّات، ولكنّهم لم يكونوا شعراء محترفين، إنّما كان الشعر جزءاً من حكاياتهم واستشهاداتهم في الأحاديث، هذا ما أعرفه عنهم، وقد قام الدكتور رحيم الساعدي وهو ابن عمٍّ لي بجمع أشعار أجدادنا في كتاب وقد طبعه قبل مدّة من الزمن، وبهذا فقد حفظ جزءاً من تراثهم الشفاهي، ولا أظنني وريثاً لهم بهذا المعنى من وراثة الشعراء للشعراء؛ ذلك أنَّ انتمائي لأبي نواس وأبي تمام والبحتري والمتنبِّي والمعرِّي والجواهري ودرويش والسيَّاب هو الأقرب بالتأكيد، فهم أجدادي الذين ورثت عنهم
وأبو تمام العظيم قال:
إنْ يختلف نسبٌ يؤلّف بيننا
أدبٌ أقمناهُ مقامَ الوالدِ

* ما الذي يقودك لتُحاكي مخاضَ الشّعر، هل الإيقاع أم موسيقى الشعر أم كلاهما؟
– مخاض الشعر واحدٌ من الأسرار التي يجهلها حتى الشاعر نفسه، فلا يوجد عنصر واحد تشتعل منه القصيدة، إنَّما هناك عناصر عدّة على الأقل في تجربتي، إذ تبدأ من الفكرة، ثمَّ تتلبَّس هذه الفكرة جسداً موسيقيّاً أبقى أُدَنْدِنُ به لعشرات الجمل الموسيقيَّة القريبة من الهذيان، ولكنَّها تحوم حول الدلالة، إلى أن تستقرَ بثوبها الأخير في بيت شعري، لهذا فالإيقاع أنواع متعددة ومن ضمنها إيقاع الفكرة، إذ تبدأ بالرقص في المخيلة لتدور وتدور حتى تكتمل بجسدٍ موسيقيٍّ مكتمل.

* هل تنتمي لمدرسة شعريَّة معيّنة أو ثمّة تصنيف لميولك الشعريَّة؟
– لستُ مع انتماء الشعراء لمدرسة معيّنة؛ ذلك أنَّ الشعر أوسع من كلِّ المدارس والاتجاهات، ربما قبل عشرين عاماً كُنَّا صوتاً صاخباً يُنادي بتحديث النصِّ العمودي ورفعنا الراية للدفاع وللهجوم بشأن هذا الموضوع، ولكن الآن اختلف الأمر كثيراً وبدأنا نُصغي للشعر وروحه أكثر، وهذا لا يعني أنَّ المدارس الشعريَّة غير مهمّة بالعكس، فقد أسهمت تلك المدارس وعلى طول خارطة الشعر بتحولاته الكبرى وانعطافاته الساحرة.

* للشاعر ميلٌ نظميٌّ معيّنٌ أو يسكب على قالب شعري معيّن، هل يقودك الوزن والبحر والقافية أم هي راحلتُك الإبداعيَّة تقود الطريق؟
– أنا أعتقد أنَّ الوزن والقافية والبحر بشكل عام عامل مساعد على المخيلة، فالموسيقى تساعد الشاعر على استدراج الخيال وتفعيله وهي -حسب ما أرى- عامل رئيس مجاور للغة وتراكيبها والخيال وجنونه، ويسهم الايقاع باستدراج الخيال بشكل هائل

* ما هو القالب الشعري الأقرب لنفسك؛ الفخر، الحماسة، الغزل، أم أغراض معيّنة تحبُّ أن تصيغ قصيدتك عليها؟
– لا أعتقد أنَّ هذه القوالب الآن صالحة كما هي بهذه الحدود؛ ذلك أن الأغراض الشعريَّة جرى لها ترحيل كبير، والحداثة الشعريَّة أسهمت بذوبان تلك الأغراض وتحويلها في خلطة كبيرة مع اللغة والصورة، فلم تعد القصيدة ممهورة بغرض محدد بل إنَّ القصائد ذات الغرض المحدد والواضح هي قصائد تنتمي للتاريخ وليس للواقع المعيش؛ لذلك فالأقرب لنفسي هي القصيدة المنفلتة من هذه الأغراض
* كيف ترى قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر؟، هل لك طريق لهذا النوع من الكتابة؟
– منذ عشرة أعوام وأنا أسبحُ في نهر قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر؛ لذلك ومن خلال سؤالك يبدو أنّك غير متابعٍ لما أصدرته في السنوات الأخيرة، فقد صدر ديوان قصائد العائلة وهو عبارة عن قصائد نثر في معظمه مع تفعيلة، ومع هذا لم أترك قصيدة العمود فجميع الأشكال الآن متجاورة ومتصالحة في تجربتي
الشعريَّة وفي مشغلي الشعري

* ما الذي يؤثّر فيك لتكتب قصيدتك هل هو الموقف أو الهم الذاتي الذي
بداخلك؟
– الشعر الذي يكتب لغرض المواقف هو في العادة شعر محدد الواجهة ومؤدلج في الأغلب؛ ولهذا فالشعر حين يأتي بناءً على موقف معين او وسيلة لغايةٍ ما، فإنّه سيكون في الدرجة الثانية بخلاف الشعر الذي يكتب للشعر نفسه، وهو رهانٌ صعبٌ جدَّاً أن يكتب الشعر للشعر نفسه من دون غرض او واسطة، ومع هذا فإنَّ هناك أحداثاً عامة إنسانيَّة وذاتيَّة ألهمتنا أو تدفعنا أو تحرِّضنا للكتابة.
* إلى أيِّ مدى تقودك القصيدة الفصيحة، هل تعبر عنك بشكل جيد أم تجد جمهورك أو الفئة المستهدفة لهذه القصيدة تأخذك لتصنع ما يريدون منك؟
– ليس هناك مستهدف من الشعر إلّا الشعر نفسه، وما المتلقي الذي نستهدفه إلّا ذلك الكائن المختبئ داخلنا الذي يحذف ويُصحِّح ويضيف وينزعج من جملة أو كلمة ما، أما القصيدة الفصحى ومدى تعبيرها عنِّي، فأنا لا أجيد التعبير شعريَّاً إلّا بالفصحى فهي دليلي وعصاي في هذا العالم المظلم، وهي المعبّرة عنّي بالتأكيد ولكن تبقى هناك أشياء داخل النفس الإنسانيَّة لم تستطع الفصحى أن تعبر عنها، بدليل حين تهزّنا جملةٌ أو بيتٌ من الشعر الشعبي وكأنّه يقول ما لا نستطيع قوله.

* هل ترى وجودك في مثل هذا المهرجان له صلة بالرسالة الإنسانيَّة التي حكمت قصيدتك ومفرداتك وتكون بها أثر تفاعلك مع
الحدث؟
– لم تعد المهرجانات بذات الفعاليَّة التي نتصورها ونسمع عنها أيَّام الستينات والسبعينات، فقد تغيّرت الحياة وتغيّرت الأنظمة من القوميَّة إلى أنظمة متعددة، ونعرف كيف كانت الأنظمة القوميَّة تهتمُّ وتنظر للشعر بوصفه عاملاً أساسيَّاً من عوامل وحدة الأمة وقوتها، وكان ينظر إلى الشعر عاملا من عوامل نهضة الأمة وليس مصدرا ملهما فقط، وبهذا تحول الشعر إلى وظيفة محددة، أما الآن فالحضور في تلك المهرجانات هو شغف خاص، ومن يأتي ليستمع للشعر هو من يعشق الشعر ويقتطع من وقته ليحضر ساعة يستمع للشعر، ولا ننتظر من الشاعر أن يغيّر الحياة، أو يقلب الأنظمة، وهذا ما لا يمكن أن يحدث، بل مستحيل؛ لأنَّ الشعر بالأساس يحتاج الى نهضة خاصة به لتغيير جلده والانقلاب على نفسه، أما التفاعل مع الأحداث فلستُ كثيراً معه من خلال القصيدة، لأنّنا سنخسر القصيدة ولن نستطيع أن نغيّر شيئاً، فما معنى أن نكتب شعراً أمام أطفال غزة؟!، البيوت انتهت، والأطفال والشيوخ يستشهدون ونحن نكتب شعراً نبكيهم، هل يعقل ذلك؟ والله حاولت مراراً أن أكتب شيئاً ولكنّي خجلتُ كثيراً أن أكتبَ وأنا مسترخٍ عن أطفال تأكلهم الصواريخ، مفارقة مخزية، وشيءٌ لا يمكن احتماله أن تأكل وتتدفأ في هذا البرد وتمسك بموبايل آي فون ١٤ لتكتب نصَّاً يرثي بيوت وأطفال الفلسطينيين الذين يأكلهم الجوع والبرد والصواريخ، أشياء خارج تصور المنطق والعقل والشعر وكل شيء، كل شيء.
* هل القافية في وقتنا الحالي مجال لدهشة المستمع ولفت لانتباه الشعراء حين يقدم شاعرٌ متمكنٌ قافية نادرة أو ذات إيقاع جديد الحبكة؟
– القافية جزءٌ من بناء البيت والقصيدة، فهي ليست حالة كماليَّة أو زخرفيَّة، وكذلك ليست محطة استراحة للمتلقي، إنّما هي بناءٌ عضويٌّ وجزءٌ رئيسٌ يتكاملُ مع بقية أجزاء البيت ليصنع الدهشة والمعنى في الوقت نفسه، ومع هذا فالاهتمام بالقافية يحتاج لصانع ماهر يلتقط بخفّة ساحرٍ القوافي الرشيقة وغير المكررة لتكون لامعة في رقبة القصيدة، وهذا لن يأتي فجأةً، إنّما يحتاج الى دربة طويلة ومهارة عالية وموهبة حقيقيَّة تدعم كلَّ ذلك من دون تكلّف أو صنعة فجَّة.

* هل تعتبر القصيدة العموديَّة الكلاسيكيَّة ذات نمط مستهلك ومجرد قالب يركب عليه الشاعر أم أنَّ الحداثة والتجديد أخذ مأخذه فيها؟
– هذا الأمر يرتبط بالشاعر وليس بالشكل الشعري، فالشاعر التقليدي ستجده تقليديَّاً في العمودي وفي التفعيلة وفي قصيدة النثر، لن يفلح الشاعر التقليدي في إنتاج أيِّ نصٍّ مهما كانت حداثة ذلك النصّ، أما الشاعر الموهوب فيستطيع السباحة في البحيرات المغلقة وفي الأنهر الراكدة، وبإمكانه أن يؤدي رقصات جميلة في نهر له ضفتان متقابلتان وضيقتان؛ لذلك فإنَّ الأمر مرتبط أولاً وأخيراً بالشاعر نفسه، ويُمزاجه في التعامل مع الأشكال الشعريَّة المتنوِّعة
* هل توجد قصائد تمّت كتابتها خاصّة بحدث المهرجان خصيصاً هذا العام؟
– لم تعد معظم القصائد التي تكتب للمناسبات صالحة فنيَّاً، لهذا فمزاجي لم يكنْ مع تلك النصوص، ومنذ مدة طويلة لم أكتب نصَّاً شعريَّاً مُعَدَّاً لمناسبة أو مهرجان، أما هذا المهرجان وبسبب اختياري الشخصيَّة العربيَّة المكرَّمة، فقد آليتُ على نفسي أن أظهر بنصٍّ جديد؛ لذلك كتبتُ نصَّين ولم أقتنع بهما، حتى خطفني مطلع أخذ بلُبي، وهنا تذكّرت المقولة التي ترى أنَّ المطلع يأتي من الشيطان والباقي منا، لهذا دوّنتُ المطلعَ الذي أرقني طويلاً ومن ثمَّ انسابت القصيدة:
فتحتُ البابَ فانسكبَ النهارُ
وحمَّلني التحيةَ شهريارُ
لذلك فقد جاءت هذه القصيدة جديدة وساخنة وهي لم تتحدث عن المهرجان، إنّما عن بغداد التاريخيَّة ومدى عمق وجمال حياتها السرَّانيَّة ومزاجها الذي صنعه المجانين والشعراء والمتصوّفة والخلفاء؛ لذلك فالمهرجان سببٌ او قدحةٌ أسهمت بإضرام روحي أيَّاماً طويلة لكي يكتملَ هذا النصّ.

* يقال أنَّ لكلِّ شاعر طقوساً للكتابة والإلهام، فهل لك طقسٌ خاصٌّ يمكن أن تكشفه لنا لبناء قصيدة؟
– لا توجد طقوسٌ محدّدة بشكل نهائي، ولكن في العادة أنا لا أكتب إلّا في الليل بعد الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، والغريب أنَّ لحظات الكتابة تُصيبني بمرضٍ مزاجيٍّ حادٍّ ومزعجٍ حتى لو امتدّت أيَّاماً، فمزاجيَّات غريبة ما بين المرض والمزاج الحاد حتى مع أبنائي وأهلي وأصدقائي، وأتحوّل إلى شخصٍ مزعجٍ إلى حدٍّ ما ومستفز أيضاً، وهذه حالة غريبة، الطريف في الأمر أنَّ قصيدتي الأخيرة (الليلة المنسيَّة من ألف ليلة وليلة) التي ألقيتها في افتتاح مهرجان الشارقة للشعر العربي، الطريف أنّي أكملتها في الطائرة من بغداد إلى الشارقة، إذ اكتملتْ نهائيَّاً وأنا على متن الطائرة!

* هل الشاعر الفصيح مظلوم إعلاميَّاً وحضوريَّاً مقارنةً بشعراء النبط والشعر الشعبي الأكثر تداولاً بين الناس؟
– نعم يحتاج الشاعر الفصيح إلى جرعة ضوءٍ ترفعه قليلاً إلى العالم لأنّني أعتقد أنَّ الشاعر الفصيح لو وصل بشكل جيد إلى الجمهور عبر مواقع التواصل الاجتماعي وعبر السوشيال ميديا سيكوّن محتوى محترماً وذا فائدة تسهم بتشذيب الذوق العام.

الشارقة: زهير بن جمعة الغزال

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى