كتب رحيم عزيز رجب: أن تفترش الأرض وتلتحف السماء دون جدران أربعة وسقف يحميك تحت خيمة بالية، وقنابل تتساقط تتهاوى على الأجساد، دون ملجأ أو مغارات فهو ضرب من الخيال، قصص مروعة تُحاك وأمام مرأى ومسمع من العالم دون تحريك ساكن.
في إحدى زيارات وزير خارجية أمريكا بلينكن المكوكية. وهو يهبط على أرض “إسرائيل” مصرحاً ومؤكداً (أنا لست وزير خارجية أمريكا…بل أنا مواطن إسرائيلي) ليعلنها جهاراً نهاراً سياسة أمريكا الازدواجية المنحازة، والكيل بمكيالين ليرقص على جراح الفلسطينيين، ليقابله وبكل عنجهية تصريح آخر لوزير الكيان الصهيوني (سيمو تروش)، ليقدم إلى الشعب الفلسطيني خيارات ثلاثة. فأما الأول – الهجرة الجماعية أو يطردوان بالقوة – وأما الثاني أن يكونوا عبيداً يعملوا لدينا- وأما الخيار الثالث القتل والتصفية والدمار.
هكذا تدار الأمور وبهذه الموازين والمعايير، تتعامل القوى الأمريكية مع حليفتها ومع شعوب الشرق أوسطية، كما يسمونها.. اليوم يمر وقد اكتملت الـ100 يوم الدموية على الوضع المأساوي والإحصاءات المروعة، التي تشير إليها صحة غزة، فالنزوح يتبعه نزوح. والقتل يتبعه موت. والجوع والعراء حالاتان متلازمتان، وفي أحدث إحصائية ليصل عدد الشهداء إلى 24 ألف فلسطيني في 1944 مجزرة، ومنهم 10 آلاف طفل و7 آلاف سيدة ليصل عدد المفقودين ليتجاوز الـ7 آلاف..
هذه إحصائية سريعة وما خفي كان أعظم، والفلسطينيون في مواجهة المجهول قصص وقصص يندى لها جبين الإنسانية. فهي إبادة جماعية. بكل معانيها نقص بكل ما يمت صلة بالحياة، عمليات جراحية تجري بدون تخدير بسبب نقص في مادة التخدير والكهرباء اللازمين. وحسب منظمة الصحة العالمية التي قال ممثلها في فلسطين، أنه لم يرى في حياته هذا العدد من الأطراف المبتورة لكبار وصغار وأطفال.
أما في مخيمات اللاجئين، فالغزاويون يتضورون جوعاً. فشح الغذاء ونقص المياه عاملان لا يخليان من الإبادة، ليؤكد المرصد الأورمتوسطي أن معدل 1000 فلسطيني يسقط يومياً في أكثر إحصائية دموية في التاريخ الحديث، فما يتحمله المواطن الغزي اليوم ما لا تطيقه الجبال ولاعقل بشر. حتى بات الموت أشياء مألوفة ومعتادة يتعامل معها.
فمن غير بعيد أن يجد المواطن صباحاً، وقد أبيدت عائلته عن بكرة أبيها وتشطب أسماؤهم من سجل الحياة وإلى الأبد مع أحلامهم. وذكرياتهم ومنازلهم. وما تبقى له سوى ذلك الحطام التي تختفي تحتها أجسادهم الطاهرة.
ليعيش في ذلك النفق المظلم الذي انعدم في نهايته ذلك الضوء. فالجميع هم مشاريع استشهاد، والكل أهداف متحركة قابلة للقنص والقتل دون وازع ضمير. ليقف العالم مكتوف الأيدي شاهداً خانعاً على مذابح ترتكب تحت عناوين ((كل شيء مباح للقتل والتدمير)).