كتب / علاء كرم الله: يمثل مجلس الأمن الدولي مع منظمة الأمم المتحدة الغطاء الأمين والملاذ الآمن الذي تلجأ إليه الشعوب عند ما تكون هناك نزاعات دولية أو خلافات أو حروب فيما بينهم، ويعد مجلس الأمن الدولي موضوع مقالنا هذا، أحد أجهزة الأمم المتحدة وذراعها القوية والضاربة في فرض القرارات الدولية التي يتم اتخاذها لصالح السلم العالمي.
وفي واقع الأمر أن مجلس الأمن الدولي تأسس في 24/10/1945 بإرادة القوى الكبرى التي حققت النصرعلى ألمانيا في الحرب العالمية الثانية وهي (الاتحاد السوفيتي السابق/ حالياً روسيا الاتحادية، الولايات المتحدة الأمريكية، الصين، فرنسا، بريطانيا) وهذه الدول الخمس الكبرى هي دائمة العضوية في مجلس الأمن، ولها حق النقض (الفيتو) فقط على القرارات التي يتخذها المجلس، دون بقية أعضاء مجلس الأمن! حيث يتكون المجلس من 15 عضو، 10 يتم انتخابهم دورياً كل سنتين، و5 فقط الأعضاء الدائميين في مجلس الأمن الدولي الذين أشرنا إليهم.
وفي حقيقة الأمر أن مجلس الأمن الدولي لم يتم تأسيسه على موضوع قيم ومبادئ إنسانية وحقوق شعوب وما إلى ذلك!، بل أن تأسيسه فرضته ظروف ما بعد الحرب العالمية الثانية، والأطماع والمصالح القومية العليا للدول المنتصرة، وحتى تكون زمام أمور العالم والسيطرة عليه بأيديهم فقط!، لذا قسموا العالم، سياسياً وفكرياً وعقائدياً ووفقاً لمصالحهم الاقتصادية والقومية العليا!، إلى معسكرين (شرقي، وغربي / أشتراكي، ورأسمالي)، وهنا علينا أن لا ننسى بأن إقامة الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي، كان ضمن هذه التقسيمات حيث تم دعمه وإنشاءه من قبل بريطانيا وفرنسا وبرعاية أمريكية!!.
ويتمحور عمل مجلس الأمن الدولي أساساً، في الحفاظ على السلم العالمي والدولي ضد أي عمل عدواني تقوم به أية دولة من دول العالم، وللمجلس الحق في استخدام القوة إذا اقتضى الأمر لذلك، ولكن المثير في الأمر، أن قرارات مجلس الأمن الدولي لا تسري على الدول الخمسة الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي والمنتصرة في الحرب العالمية الثانية!، لأن هذه الدول هم من أسسوا المجلس وهم من يسيطرون على العالم، لذا فإن قرارات مجلس الأمن لا تسري عليهم!! أن دخلت إحداهم في حرب أو نزاع مع أية دولة أخرى في العالم، أيا كان سبب ذلك النزاع، أو هم قاموا بغزو دولة أخرى!، فهم لا يرجعون لمجلس الأمن الدولي! بل يكون رد فعلهم وقرارهم مباشرا!!.
وهذه طبعاً تتنافى تماماً مع ما يدعونه ويروجون له بأنهم يعملون من أجل حقوق الدول الضعيفة والحقوق الإنسانية والحفاظ على النظم الديمقراطية بالعالم واتخاذ القرارات العادلة وعدم الكيل بمكيالين كما يقال وما إلى ذلك، وأعتقد ولربما يتفق معي الكثيرين بأن صورة مجلس الأمن الدولي تمثل الدكتاتورية بعينها التي تفرضها الدول الكبرى على بقية دول العالم!!.
ومثال على دكتاتورية أعضاء مجلس الأمن!: هو عندما قامت الأرجنتين بالاستيلاء على جزر (الفوكلاند) في 2/4/1982 المتنازع عليها بينها وبين بريطانيا، لم تلجأ بريطانيا إلى مجلس الأمن وتشتكي وتعرض الوثائق والخرائط التي تثبت عائدية الجزر لها، بل وفي خلال 3 أيام فقط قامت بالرد على هجوم الأرجنتين واستمرت الحرب بينهم 74 يوماً انتهت بانتصار بريطانيا وعودة سيادتها على جزر (الفوكلاند)!! (ولا أحد فك حلكة وياها)!!.
ونقل على مواقع التواصل الاجتماعي موقفاً يخص هذه الحرب ويؤكد دكتاتورية أعضائها!، أنه عندما أبلغ وزير الدفاع البريطاني رئيسة وزراء بريطانيا آنذاك السيدة (تاتشر) والتي كانت تسمى بالمرأة الحديدية، بأن الأرجنتين غزت جزر (الفوكلاند) واستولت عليها، قالت له وماذا تنتظر؟ حظّر جيشك وخططك فوراً!، فقال لها ألم نبلغ الأمم المتحدة ومجلس الأمن بذلك؟ فقالت له، نحن بريطانيا العظمى، نحن لسنا دولة ضعيفة تستجدي السلام والرحمة ونستجدي المواقف من مجلس الأمن والأمم المتحدة مثل الدول العربية!!، (ضربت الجميع بعرض الحائط وأخذت حقها بيدها كما يقال!)، ولم يجرأ بقية الأعضاء على مسائلتها على ذلك ولا على أي شيء!!؟.
ومثال آخر على دكتاتورية أعضاء مجلس الأمن الدولي في اتخاذه القرار وحسب مقتضيات مصالحه القومية العليا، هو عندما قامت أمريكا وبريطانيا بغزو العراق واحتلاله عام 2003 بحجج وأكاذيب واهية يعرفها العالم كله!!، دون أن يحاسبهم أحد لا من أعضاء مجلس الأمن ولا حتى من الأمم المتحدة!.
ونفس الشيء نقوله عن حرب روسيا مع أوكرانيا المدعومة من قبل أمريكا وحلف الناتو وبقية دول الغرب!، وبغض النظر عن الأسباب والمسببات فلم تستطع أمريكا أن تقود الجيوش وتحتل روسيا، فقط أكتفت بدعم أوكرانيا بالسلاح وببعض العقوبات الاقتصادية التي لم تؤثر على روسيا!، بل أثرت على أمريكا وباقي دول الغرب نفسها!!، فروسيا لم تبلغ الأمم المتحدة ولا مجلس الأمن بغزوها أوكرانيا!، وبنفس الوقت لم تستطع أمريكا أن تجيش عليها الجيوش وتجمع عليها أكثر من 30 أو 40 دولة وتهجم عليها، كما فعلت مع العراق عندما غزته عام 2003!.
والمثال الأخير والذي نعيش مأساته اليومية هو ما تقوم به إسرائيل من حرب إبادة شاملة كاملة لقطاع غزة وبقية المدن الفلسطينية، والتي لم تكترث بقرارات الأمم المتحدة ولا بقرارات مجلس الأمن الدولي ولا بكل النداءات العالمية لمنظمات حقوق الإنسان وغيرها من أجل إيقاف الحرب أو إيقاف القصف الوحشي الجوي والبحري والبري ضد المدنيين الفلسطينيين العزل!، لأنها إسرائيل المتغطرسة والمسنودة والمدعومة من قبل أمريكا وبريطانيا وفرنسا، الذين ينقضون أي قرار يتخذه المجلس ضدها!!.
وفي الحقيقة أن صورة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي اهتزت كثيراً بسبب حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ 7 / أكتوبر الماضي ولحد الآن. وصار يقيناً لدى شعوب العالم بأنهم يعيشون كذبة كبيرة في هذه الحياة وفي ظل هذا العالم التي تقوده الدول الخمس الكبرى، وما تدعيه من إنسانية وحقوق وديمقراطية وحريات وما إلى ذلك من أكاذيب!، فالحقيقة أنه عالم (من البلطجة والقوة والدكتاتورية والاستهتار بحقوق الإنسان وبمزاجية وبكيل بأكثر من مكيال بين هذا وذاك)، فلا أمان في هذا العالم ولا عدل ولا حق ولا حقوق إنسانية ولا أي شيء من هذا القبيل، سوى البقاء للأقوى، فهذا العالم الذي تقوده وتسيطر عليه الدول الخمس الكبرى المتجبرة والمتغطرسة وبدكتاتورية، لا مكان فيه للضعفاء والدول الفقيرة!. ولله الأمر من قبل ومن بعد.