كتب الشيخ عبد الهادي الزيدي تحت عنوان “حوار أطفال أم رسالة انذار؟”:
اعتدت في الآونة الأخيرة ان اخذ قسط من النوم بعد منتصف الليل لا يتجاوز الساعة بل في اغلب الأحيان لا يصل الى أربعين دقيقة واعاود نشاطي المعتاد. كان اطفالي الذين اعتادوا السهر معي يجلسون قريبا من مكان نومي، سكتوا عن حديثهم حينما علموا برغبتي بالنوم قليلا فوضعت راسي على الوسادة واغمضت عيني بعد برهة من الوقت واصلوا حديثهم بعد ان ظنوا غلبة النوم على كل جوارحي الا ان ظنهم ليس في محله؛ لأنني كنت أفكر في ماهية الموضوع الذي كان يثيرهم ليناقشوه بشغف. من اولادي الذين جلسوا للنقاش هم امنة (12 سنة) ومحمد علي (10 سنوات وفاطمة (8 سنوات) التي نلقبها في البيت (حنونة) نزولا على رغبة جدتها التي تربطها بها علاقة خاصة وأخيرا نرجس (سبعة أعوام).
واصلت امنة حديثها حيث انقطع بمجيئي قائلة: ان الامريكان يريدون القضاء على العالم ولا يبقون منه الا مليار انسان ويسمى المليار الذهبي فيصنعون الحروب والقتل لتحقيق هذا الغرض. قال محمد علي: الم تروا ما يحصل في العراق من امراض واصابات بحالات السرطان هذا كله بسبب أمريكا لأنها قصفت ارض العراق بالنووي اثناء الحرب، فاعترضت امنة بقولها بل بالكيمياوي الذي ستبقى اثاره مستمرة الى وقت طويل. ثم قالت ان أمريكا تريد القضاء على الصين لأنها تتنافس معها للسيطرة على العالم وبعدها سيحاولون القضاء على العراق. تفاجئت بمداخلة نرجس الصغيرة وقد صاحب صوتها ارتعاش وحنق على النوايا الشريرة التي يعمل عليها قالت: صحيح هم يريدون فعل ذلك في العراق لكن العراق بيت الله فلا يسمح لهم بأذية العراق وكررت ذلك أكثر من مرة. تحيرت بهذا الموقف من طفلة لا تتجاوز الستة أعوام انى لها ان تعرف هذا؟ وما الذي تعيه ليحترق قلبها على العراق؟ وكيف جزمت بعدم تخليه سبحانه عن العراق؟ سالت دموعي حتى روى نداها وسادتي، وجال بخاطري كيف أمكن كثير من الرجال خيانة العراق وبيعه باخس الاثمان!
اثار استغرابي سكوت فاطمة وعدم مشاركتهم الحديث، ما هي الا لحظات حتى زال هذا الاستغراب والسبب ان امنة ومحمد علي يلحان بشدة على فاطمة لتحدثهم أكثر عن الحلم الذي رأته في منامها الا انها لم تفصح عنه الا إشارات واعتذرت عن اتمامه خوفا على ان يصيبهم ما أصابها من الخوف اكتفت بقولها رأيت نهاية العالم. اتضح لي سبب حديثهم عن احداث نهاية العالم والاحتمالات المتوقعة. تركتهم يتحايلون عليها لتحدثهم الا انها مصرة على موقفها واستسلمت للنوم.
مضت خمسون دقيقة على نومي فانتبهت فرأيت الجميع اخلدوا الى النوم الا فاطمة فلم تنم وهي جالسة بالقرب مني فقلت لها لم لم تنام يا ابنتي؟ قالت كنت انتظر ان تصحو من النوم فانا خائفة جدا، قلت وما الذي يخيفك وانا بقربك؟ قالت حلم رايته اخافني جدا ولم أحدث اخوتي عنه خوفا ان يصيبهم الخوف كما اصابني. تذكرت انها وجهت لي مجموعة من الاسالة حول الاحلام، منها هل كل الاحلام التي يراها الانسان تتحقق؟ هل ان الاحلام المخيفة حقيقية ؟ هل حلم الطفل يعتمد عليه ويتحقق؟ قلت لا تخافي من شيء وتحدثي عما رايته وكنت اظن انها رات شكلا غريبا او كائنا بشكل مفزع. الا انها فاجأتني بقولها ستقع حرب قريبا، فقد رأيت معركة يقتتل الناس فيما بينهم. قلت لها يا عزيزتي لقد اعتدنا على الحروب فقطعت حديثي قائلة لكن عراقي يقتل عراقي ! استوفني كلامها وموقفها الجاد فقلت ما الذي رايته تحديدا؟ قالت لا أستطيع الوصف لبشاعة المنظر القتلى في كل مكان وهناك اشرار يقتلون بدم بارد ثم قالت انا خائفة جدا فضممتها الى حجري وبدات أهدئ من روعها واحدثها ببعض الكلمات حتى سكن روعها، الا انها سرعان ما عادت لإثارة السؤالات وتردد إذا وقع ما رايته ماذا نفعل؟ قلت لها لا تخافي يا ابنتي الله تعالى سيحمينا وسيجنبنا السوء وكل العراقيين. قالت انا لا أخاف على نفسي بل أخاف على العراقيين وعليك وعلى والدتي. طفلة بعمر ثمان أعوام تشعر بهذه المشاعر! ويفكر بسلامة الاخرين. لم اتمالك نفسي فضممتها الى صدري بقوة اه اه ما الذي ينتظركم في المستقبل ؟ وهل كبرتم قبل اوانكم؟ ام انها رسالة أرسلها الله تعالى على لسان طفلة بريئة لا تعرف الا ما شهدته.
قالت اليس الشيخ اليعقوبي هو قائد العالم (بحسب تعبيرها الدقيق) ؟ قلت لها نعم هو كذلك، قالت إذا لم لا يتكلم مع هؤلاء القتلة ليمنعهم من هذه الجرائم؟ تعجبت من سؤالها فسكت بين الحيرة من السؤال والتفكر في كيفية الإجابة، ففهمت تحيري وقالت من الواضح انهم لا يسمعون كلامه، فزالت حيرتي بجوابها المختصر واثيتت لي انها أكبر من سني عمرها فقررت ان أحدثها بما يليق بها وبقينا نتحدث حتى أعلن المؤذن دخول وقت صلاة الفجر. قالت لي كنت تعتقد أني لا افهم كلامك؟ بل افهمه جيدا.
ملاحظة: الحديث بالحقيقة كان باللهجة العراقية الدارجة فصغته بالفصحى مراعاة للضوابط الا ان المضمون نفسه.