كتب د. حسين المولى: في ظل التطور التقني المتسارع، باتت حماية البيانات الشخصية تُشكل أبرز القضايا التي تشغل الدول والمنظمات الدولية، خاصة في مواجهة التهديدات التي تسعى للسيطرة على المعلومات لأغراض غير مشروعة، إذ ينظر للبيانات الشخصية كقيمة عليا تمثل جزءاً من سيادة الدولة الحديثة، وتندرج ضمن مفهوم جديد يعرف بـ”السيادة الرقمية”.
إن السيادة الرقمية تعني قدرة الدولة على التحكم في البيانات الرقمية لمواطنيها وضمان أمنها تحت إشراف مؤسساتها المُعتمدة، بعيداً عن خوادم أو جهات خارجية قد تشكل تهديداً للخصوصية الوطنية، من خلال آلية عمل متكاملة تكون فيها هذه البيانات تحت إدارة الدولة، وأن تُحفظ داخل الحدود، لضمان عدم تعرضها للاختراق أو إساءة الاستخدام من قبل جهات خارجية.
إن التهديدات المحيطة بالبيانات الشخصية تشمل الجهات التي قد تهدد خصوصية البيانات مثل المنظمات الإرهابية، والجماعات المتطرفة رقمياً، بالإضافة لبعض الشركات التجارية التي تستخدم البيانات لأهداف غير قانونية، وتزداد المخاطر مع تطور وسائل التجسس والقرصنة التي تسعى للوصول إلى المعلومات الخاصة بالمواطنين، لأغراض تمثل انتهاكاً للسيادة والقانون.
من هنا يمثل التحدي الأكبر في أن يكون هنالك قانون عراقي جديد لحماية البيانات الشخصية، إذ من الضروري أن يواكب المشرع العراقي التحديات الراهنة، من خلال إصدار قانون قوي لحماية البيانات الشخصية، كما يجب مراعاة ما يتضمنه القانون من خلال توافر العناصر التالية:
•التعريفات: توضيح ماهية البيانات الشخصية، وأنواعها، وما يندرج تحت هذه الفئة من معلومات وغيرها من المصطلحات التي تحتاج لتوضيح.
•حقوق الأفراد: إن الأساس التي من خلاله يبنى على القانون هو السعي من أجل حماية الأفراد، إذ يكون من الضروري التأكيد حق الأفراد في التحكم ببياناتهم، والحفاظ على خصوصياتهم بصورة واضحة ودقيقة.
•الإشراف المؤسسي: ضرورة أن تظل البيانات ضمن اختصاص المؤسسات العراقية، وأن تخضع لرقابة وإشراف الدولة بصورة كاملة، ولا تتدخل أطراف داخلية أو خارجية للعمل على هذه البيانات دون ضرورة.
•العقوبات: كما وتجدر الإشارة إلى أن فرض عقوبات صارمة على أي انتهاك للبيانات، سواء من جهات داخلية أو خارجية، له أساس قانوني مهم في سبيل تحقيق أعلى قدر من الحماية.
ونشير إلى أنه يمكن للعراق أن يستفيد من التجارب الدولية مثل قانون حماية البيانات العامة للاتحاد الأوروبي (GDPR)، الذي يضمن حقوق الأفراد في حماية بياناتهم ويضع معايير صارمة لأي معالجة للبيانات الشخصية، يمكن لهذا القانون أن يكون مرجعاً للمعايير التي يجب تطبيقها محلياً.
إلى جانب التشريعات، يجب أن يتم اعتماد بنى تحتية فنية تقنية متقدمة من أجل ضمان أمان البيانات، مثل استخدام أنظمة التشفير المتقدمة وتطبيق معايير الأمان في أنظمة المعلومات، ويُعزز ذلك قدرة الدولة على التصدي لأي اختراقات محتملة، وتحمي البيانات من التسريب أو الوصول غير المصرح به.
إن وجود قانون لحماية البيانات الشخصية يُسهم بزيادة ثقة المواطنين اتجاه بياناتهم، ويدعم التوجه نحو التحول الرقمي الآمن، كلما كانت الدولة جادة في حماية خصوصية الأفراد، زادت ثقة المواطنين في مؤسساتها، مما يعزز من سيادة الدولة الرقمية، ويقوي من تماسك المجتمع.
مع اقتراب عملية التعداد السكاني والتحديات المرتبطة بحماية البيانات التي ستشمل بيانات جميع المواطنين، يصبح من الضروري تعزيز الأطر القانونية لضمان عدم إساءة استخدام هذه المعلومات، حيث تحتوي على تفاصيل دقيقة وشخصية للمواطنين، وإن فقدان السيطرة على هذه البيانات يشكل خطراً كبيراً على السيادة الرقمية، ويجعل البلاد عرضة للاستهداف من قبل جهات تسعى للسيطرة على هذه المعلومات.
لذا يجب أن يكون المشرع العراقي على دراية كاملة بضرورة الإسراع في إصدار قانون لحماية البيانات الشخصية، بما يواكب التطورات التقنية ويعزز من السيادة الرقمية للعراق، اذ سيمثل هذا القانون حجر الزاوية في بناء الثقة الرقمية للمواطنين، ويعكس التزام الدولة بحماية خصوصيتهم وتعزيز أمنهم الرقمي.