مقالات
أخر الأخبار

الهويات المقاتلة

كتب حمزة مصطفى:هناك من يسميها الخرائط القاتلة، بينما أمين معلوف اللبناني الأصل الفرنسي الفصل المتربع على عرش الأكاديمية الفرنسية مدى الحياة يسميها «الهويات القاتلة».

كاتب هذه السطور يجتهد بتسميتها «الهويات المتقاتلة» من منطلق أن المجتهد ينال أجرا في النهاية حتى إذا أخطأ وهو أجر الاجتهاد.
معلوف الذي يعترف في «الهويات القاتلة» الصادر عام 2016 يجد نفسه أحيانا بحاجة إلى مايسميه «إمتحان هويتي» ص27 لا لكي يجد في قرارة نفسه ما يمكنه أن يتماهى معه، بل لكي يفصل بين ما يبدو تعدد الهويات بحيث يقوم «بجمعها ورصفها ولا أتنكر لأحدها» وبين الهوية الواحدة.
ولعل المثال الأكثر تحديدا لالتباس الهويات هو ما ذكره عن مواطن بوسني في الخمسين من العمر في مدينة سراييفو اليوغسلافية سابقا.
فلو سالنا، يقول معلوف، وهنا أنقل كلامه بالتصرف، هذا المواطن عام 1980 عن انتمائه لقال بكل فحر «أنا يوغسلافي».
ولو تحدد السؤال أكثر لقال إنه يعيش في «جمهورية البوسنة والهرسك الفيدرالية وإنه ينتمي عرضا إلى عائلة مسلمة».
ص 22 لو التقينا هذا الرجل بعد 12 عاما حيث الحرب مشتعلة ، اشتعلت في التسعينيات من القرن الماضي، لقال «بعزم لايلين أنا مسلم».
أما اليوم «لوسألنا هذا الرجل لقال إنه بوسني أولا ومسلم».
ولو صادفنا هذا الرجل بعد عشرين عاما وسألناه عن تحديد هويته لقال إنه «أوروبي؟ مسلم؟ بوسني؟ أو شيئا آخر؟.
بالنسبة لمعلوف أن إجابة هذا الرجل ربما تكون طبقا لتعدد هذه الهويات لأنها كلها تشكل أحد عناصر وجوده.
لماذا استعنت بصديق؟ وأي صديق؟ معلوف لا غيره لأنه أفضل من ينطبق عليه الوصف لجهة الهويات القاتلة والتي تصالح معها بعد أن وجد نفسه أمام تعدد الأسئلة.
ولدى سؤال يتكرر عليه دائما هل أنت لبناني أم فرنسي يأتي جوابه «هذا وذاك» ص11.
ومع أن تصالح معلوف مع الهويات القاتلة كما يسميها أهلته لأن يحتل واحدا من أرفع المناصب الفرنسية فإنه وبعد هذا التكريم الذي ناله صار «ذاك» الفرنسي أكثر من «هذا» اللبناني.
أسهبت في مثال معلوف في عمود قصير، لأنه يختزل مفهوم الهويات حين تتصالح أو تتقاتل ولو بعد حين.
بعد حرب غزة بدا التشابك مرة والاختلاف مرة واضحا بين الخرائط والهويات.
فالخرائط التي تضم عدة هويات متصالحة وغير متصالحة بدأت بالتصادم مع بعضها من منطلقات وزوايا مختلفة مرة ذات بعد وطني ومرة قومي ومرة ديني ومرة طائفي بعد أن قسمت الحرب تلك الخرائط والساحات والأهداف والمشاريع والتطلعات.
فطوفان الأقصى صبيحة السابع من أكتوبر 2023 برغم مما أحدثه من خرق هائل في منظومة الدفاع الاستراتيجية الإسرائيلية كاسرا هيبتها ومطيحا بكل ماحاولت رتقه بعد حرب السادس من أكتوبر 1973، فإنه سرعان ما خرج من ساحة المواجهة الممتدة أصلا إلى ساحات وخرائط وهويات وانتماءات لكنه لم يسهم في توحيدها بقدر ما أدى إلى المزيد من التشتت والفرقة وتبادل التهم والخيانات.
عراقيا لم نكن بمنأى من تشابك الهويات وتصادمها.
إختلاف الهويات بات يتضح لكن ليس بوصف «الاختلاف رحمة» أو حتى «تنوع» في زوايا النظر أو درجاته حيال قضايا تتعلق بتعدد الهويات، بل بدا تناقضا صارخا بين من يأسف لقصف أربيل أو من يتشفى به مقابل من يغضب لقصف باكستان إيرانيا ليتشفى من الرد الباكستاني.
لو عدنا إلى مثال الرجل البوسني عبر مقاربة معلوف وسألناه الآن عن هويته ماذا نتوقع أن يكون رده. سيكون رده من أنت حتى أجيبك.. متأسفا أم متشافيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى