أخبارمقالات
أخر الأخبار

الهوة بين ديناميات السياسية وحقائق الميدان.. إسرائيل تتجنب دفع الاثمان

كتب كمال خلف… الخلافات بين إدارة بايدن وإسرائيل حول الحرب في غزة تزداد وضوحا وعلانية، في الساعات الماضية ظهر تباين من خلال التصريحات والمواقف، وملخص الحال بين الحليفين بان نتنياهو الذي ورط الإدارة الامريكية في تقاسم الفشل في غزة، وتداعيات ذلك في عموم المنطقة، لكنه بذات الوقت يقول لهم ” القرار لي وحدي “.

وتدريجيا تتحول المنطقة الى كرة لهب، ويلامس الحريق بشكل مباشر المصالح الامريكية، ليس على المستوى المباشر القريب فحسب، بل في الميزان الاستراتيجي ومستقبل الوجود الأمريكي في المنطقة. ومع وضوح ذلك يستمر نتنياهو في التمسك بنهج بدأ نقضه حتى من داخل مجلسه المصغر.
هو مسار مخاض جملة من التحولات لم يعد ثمة مهرب من مواجهتها رغم المكابرة ومن نماذجها ان اسرائيل تحولت من ذراع وامتداد للغرب في الشرق الأوسط الى عبء على الولايات المتحدة وشركائها سوف تظهر تدعايته في العقود المقبلة بشكل حتمي، وسوف يؤثر في موازين القوى ومراكز التأثير في الاقليم. تعلم الولايات المتحدة والإدارات المتعاقبة على الأقل في حقبة ما بعد غزو العراق ان اتجاهها الاستراتيجي الضروري هو خفض الحروب خارج الحدود وإعادة تعريف القوة والمناطق الحيوية لمواجهة تحديات ومخاطر على المستوى الدولي تؤثر بشكل مباشر على مركزية واشنطن في النظام الدولي وفي القيادة العالمية.

وعلى صعيد المواجهة القائمة حاليا في منطقتنا، وهي بدأت تتخذ شكالا يتجاوز حدود غزة، نحو معركة إدارات تستهدف شكل النظام الإقليمي الجديد. فان ” تحالف المقاومة ” الذي تقوده ايران عندما بدأ إدارة حرب ” وحدة الساحات ” كان حتى وقت قريب يضع هدفا واحدا وهو وقف الحرب على غزة فقط. من اجل انقاذ المدنيين من جحيم الإبادة وحمام الدم، وحماية المقاومة وضمان انتصارها، وافشال العدوان. لكن مع تطور المواجهة ومساراتها، نعتقد ان ذلك الهدف اعيد صياغته على نحو اكثر شمولية ونحو اهداف اعم واشمل في المنطقة، ويتضمن التقاط لحظة تاريخية فيها فرص لفرض إعادة تشكيل المنطقة وإدارة تغيير جيو سياسي استراتيجي، سيحدد مستقبل الإقليم لعقود مقبلة.
وتقيضا لذلك هناك لدى العديد من صناع السياسية والأطراف الفاعلة سواء العربية او الإدارة الامريكية وشركائها الغربيين وفي هذه اللحظة الحرجة من مخاض التحولات يبرز الخلل المسبب لحالة من الاستعصاء الراهنة وتحديدا في غزة. وجوهر هذا الخلل يكمن في الفارق الشاسع والهوة بين التطور الهائل في مسار الاحداث وتداعياتها وفق حقائق الميدان وتحولات الصراع وبين ديناميات السياسية التي تبدو انها تقليدية، تستعيد أفكار مكررة من حقبة سبقت منعطف التحول يوم السابع من أكتوبر وتحاول تجاهل هذا التغيرات الكبيرة في مسار الصراع، فمازال يطرح التفاوض بالياته القديمة، و الدعوة لحل الدولتين بذات السياق، فضلا عن أفكار ومضامين الوساطة المصرية بافكارها المستمدة من الحروب السابقة.. هذه الهوة بين ديناميات السياسية التي تبدو في هذه اللحظة جامدة وبين تحولات هائلة جرت في الميدان بغزة وعلى مستوى عموم المنطقة هي السبب في عدم النجاح حتى الان في احداث خرق سياسي فعلي للتطورات الميدان ومسار الحرب.
وحسب ما نشر من تفاصيل في الساعات الماضية، تحاول اطراف عربية إعادة انتاج المبادرة العربية للسلام بنسخة اكثر الحاحا، وهي قد تبدو ذات فائدة على صعيد اقناع بعض الدول الغربية بانها تشكل الحل الدائم للصراع القائم، لكن حتى في حالة المبادرة التي تعطي لإسرائيل مغريات السلام الدائم، والعلاقة المفتوحة مع الدول العربية، مقابل وقف النار، والاعتراف دولة فلسطينية مستقلة، فان حسابات قادة إسرائيل وما وصلوا اليه قبل سنوات من مكاسب التطبيع مقابل لا شيء، سيجعلهم يفكرون بأنهم امام تراجع ونكوص لا ضرورة له الان، وقد تأتي لهم الانتخابات الامريكية المقبلة بصاحب مشروع ” صفقة القرن ” دونالد ترامب ” الى البيت الأبيض ومن خلال هذا القادم الجديد يعاد انتاج حالة تعيد عقارب الساعة الى زمن المكاسب دون تنازلات.
وعلى اية حال أي حلول سياسية تطرح الان للصراع حتى ولو جاءت من اطراف تساند إسرائيل، ووفق معطيات الواقع الراهن فانها ستفرض على إسرائيل تنازلات ما كانت تتخيلها قبل يوم السابع من أكتوبر العام الماضي.
إسرائيل تفضل الاستمرار في الحرب حتى تحقيق اهداف تمكنها من تجنب أي تحولات تضعها في هذه الزاوية، لكن بالمقابل لا شيء يضمن لها ان الاستمرار في الحرب قد يكلفها اثمان اكبر بكثير مما هو الان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى