كتب د. عبد الواحد مشعل: تعيش الأجيال الجديدة حالة من الازدواجية بين ما تطرحه وسائل الاتصال الحديثة من أفكار ومفاهيم حداثوية، وما تريده التقاليد من ترسخ البنى التقليدية بقوالبها المحلية، في زمن يتطلب العبور إلى مرحلة التحديث المعرفي، الذي يقدم لنا إنساناً منتجاً، له قراءته المعاصرة للحياة، وقد أدى ذلك إلى تعطيل حركة التطور الحضاري وتجميد مشاريع نهضوية في عصر لا يقبل التعطيل.
إنما يحتاج إلى إنسان يقرأ ويطلع إلى صيرورة الحياة المعصرة، ومسك خيوطها العديدة لتقديم تصور جديد يعبر عن صيرورة الحياة المعاصرة، وإذا كانت مقولة الحضارة تأتي بمحاسنها ومساوئها، فإن بناء نظم تربوية تتفاعل وتتعامل مع الأنماط الثقافية المؤمنة بالإنسان المنتج كفيلة في تقديم نموذج ثقافي عراقي، مستنداً إلى أسس الأخلاق الضارب في جذر الحضارة العراقية.
تلك الحضارة التي مرت خلال التاريخ بمحطات حضارية مميزة ورافدة الإنسانية بمنجزات ثقافية، ولكي يكون الأمر كذلك، فإن بناء نظم تربوية رصينة، تبدأ من المراحل الأولى للتعليم إلى أعلى مراحله ومتفاعلة القيم الأخلاقية العامة في المجتمع، تكون قادرة على نفض عنه غبار البنى التقليدية المقيدة لحركة الإنسان من جهة، قادرة على مسك زمام المبادرة في التعامل مع ثقافة العصر، مترجمة انتماء الإنسان الوطني لحضارته وقيمه الأخلاقية.
أو في سياق آخر، قادرة على التفاعل مع ما يطرحه العصر الحديث من ألوان معرفية عملية تتصل بشكل صميمي بحاجات الإنسان الأساسية مع بلورة طرق ومناهج بناءة وفاعلة، تحسب جدوى التعليم ومخرجاته التربوية والأخلاقية بما ينفع الإنسان ويخرجه إلى الدائرة المعرفية التقليدية التي لم تعد صالحة مع متطلبات التفاعل مع الثورة المعرفية وتكنولوجيا المعلومات اللتين تتطلبان بنية عقلية تتقبل المعرفة العلمية التطبيقية القادرة على حل الإنسان المقهور، لنقله إلى مرحلة من الإنتاج وتكوين اقتصاد قوي، يتناغم مع التطور الحضاري في عالمنا المعاصر.
لذا فإن الإشكالية التي تحكم عملية التحول هذا تكمن في ضعف ميدان التربية والتعليم بشكل عطل عملية التحول، على الرغم من امتلاك العراق القدرات الاقتصادية والثروات الطبيعية الهائلة وامتلاك القدرات العقلية العلمية، بسبب عدم توظيف تلك القدرات البشرية في مواقعها المناسبة لإدارة الإمكانيات الاقتصادية والطبيعية بما ينسجم مع تطلعات الإنسان المعاصر، لذا فإن الالتفات إلى التخطيط التنموي داخل البلاد والاعتماد على الخبرات العالمية المتقدمة حضارياً، هو السبيل الأكيد لبناء نموذج تنموي محلي، بعيداً عن الانشغالات الخارجية المتضاربة في مصالحها المتقاطعة.
فبناء القدرات المحلية الوطنية العراقية هي الكفيلة بالخروج من دائرة الصراع بين نظم تربوية تقليدية ونظم حداثوية، ليثبت من لديه القدرة على الإنجاز موقعه في الميدان، محققاً مكانة اعتبارية أخلاقية ومعرفة علمية بجانبيها النظري والتطبيقي، فبناء القدرات الوطنية في مجالاتها المختلفة، هو الكفيل ببناء التنمية الذاتية التي ستقود حتماً إلى دولة الرفاهية، بعد نفض عن أنفسنا التقاليد والتصورات الكلية والانتقال إلى التصورات النظرية، التي تضع بناء الإنسان العراقي في أعلى أولوياتها بنظم تربوية مجتمعية هدفها الأساسي بناء الإنسان الجيد، الإنسان المتكامل تربوياً، وإنتاجياً، وفكرياً وممارسةً، بعيداً عن الهويات المتضادة، ليكون بديلاً عنها التنوع الثقافي المتنافس في عملية التطور الحضاري، والمتفاعل مع ثقافة العصر القائمة على حقائق ومعطيات تتعامل على الحياة، على وفق المنهج العلمي القائم على التجربة والحقائق الملموسة، وليس على التصورات التجريدة التي لا طائل وراءها.
لذا فإن النظم التربوية بحاجة ملحة للتحديث على أساس المنهج العلمي وليس على أساس الجدل الأفلاطوني، الذي لا يفضي إلا إلى مزيد من التأخر، بينما العالم يتطور عمرانياً وثقافياً واقتصادياً، وهو يعتمد على نظم تربوية تترجم اللحظة التاريخية التي تمر بها مجتمعاته، وهذا يتطلب من مركز القرار تبني استراتيجية متكاملة لتحقيق ذلك، فالأصل هو إشباع حاجات الإنسان وتهذيب قيمه الإنسانية والأخلاقية وصون كرامته كإنسان عراقي أولاً وأخيراً.
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا في موقع التلغرام: النعيم نيوز
ولمتابعتنا على موقع فيسبوك يرجى الضغط أيضا على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
ولا تنسى أيضا الاشتراك في قناتنا على موقع الانستغرام: النعيم نيوز