أدت التطورات التي يشهدها عالمنا اليوم، إلى ظهور مصطلحات جديدة مرتبطة بها، من بينها مصطلح “المؤثرون – Influencers”، وهو مصطلح يشير إلى مجموعة من الأفراد مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي يمتلكون أعدادًا كبيرة من المتابعين، ينشرون قصص وموضوعات تخاطب مختلف الأفراد والفئات، وعليه فإننا سنحاول تعريف هذا المصطلح، وتبيان سماتهم، وتصنيفاتهم، وتأثيرهم على الإعلام.
يُمكن تعريف المؤثر بأنه شخص حصل على شهرته عن طريق الإنترنت، لديه مهارات صناعة المحتوى ونشره في مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي، يمتلك قاعدة جماهيرية، تتألف من فئات مختلفة من المتابعين حول العالم، يوظف نفوذه الافتراضي وشعبيته للترويج عن أفكار، وآراء، واتجاهات، ومنتجات، وخدمات، وسلع، وعلامات تجارية، غالبًا ما تكون مقابل مبالغ مادية، بهدف التأثير في سلوك الآخرين وحثهم على اتخاذ قراراتهم وتحديد اتجاهاتهم، أو على شراء أو استخدام منتج أو سلعة أو خدمة ما.
ينشر المؤثر منشوراته بشكل يومي أو دوري، قد يكون محتوى هذه المنشورات جزءًا من حياته الشخصية، أو يتحدث فيها عن موضوعات معينة، أو مراجعات لمنتجات وسلع، يسعى دائمًا لبناء ثقة بينه وبين الجمهور، والحفاظ عليها، لأنَّ هذه الثقة هي التي تدفع المتابعين لإحداث التغيير في سلوكهم ونمط حياتهم (1).
يتميز المؤثر عن بقية مستخدمي الإنترنت بمجموعة من السمات أهمها أنه يمتلك شخصية قادرة على إقناع الآخرين بأساليب متعددة ومبتكرة، كما يمتلك مهارة التحدث أمام الكاميرا، وغالبًا ما يمتلك موهبة في مجال ما، فضلًا عن كونه يمتلك مهارات التعامل مع الوسائل والأدوات والأجهزة التي تمكنه من إنتاج محتوى جديد وجذاب، وإدارته في صفحات ومنصات التواصل الاجتماعي الخاصة به، كما تتنوع الموضوعات التي يتناولها المؤثر وتتعدد، فهناك من يهتم بالطب، والصحة، ومنهم من يهتم بالتكنولوجيا، والألعاب، والموضة، والأزياء، وهناك من يهتم بالقضايا الاجتماعية، والنفسية، والاقتصادية، والرياضية، وحتى السياسية، ومنهم من يجمع بين أكثر من موضوع لجذب المتابعين.
وعلى أساس ما سبق، يمكن تصنيف المؤثرين في فئات هي (2):
1. تصنيفهم بناءً على أعداد المتابعين:
وينقسم هذا التصنيف على أربع فئات:
أ. أصحاب النفوذ الجزئي الذين لا يتجاوز عدد متابعيهم (100) ألف.
ب. أصحاب النفوذ المتوسط ممن لديهم (100-500) ألف متابع.
ت. أصحاب النفوذ الكلي الذين يقترب عدد متابعيهم من المليون متابع.
ث. أصحاب النفوذ التام وهم من تجاوز عدد متابعيهم (10) مليون متابع أو أكثر.
2. تصنيفهم بناءً على نوع المحتوى:
وهو ما أشرنا إليه في أعلاه، فهناك مؤثر في مجال: الصحة، والجمال، ونمط الحياة، والطعام، وتربية الحيوانات، والرياضة، والسفر، والأسرة، والألعاب الإلكترونية، والتكنولوجيا الرقمية، والترفيه، وغير ذلك.
3. تصنيفهم بناءً على المهنة والارتباط بالعلامات التجارية:
أي أنَّ هناك مؤثر يمتهن مهنة معينة، وأصبح عن طريق الإنترنت مؤثرًا لديه العديد من المتابعين، يمكن أن نصنفهم كالآتي:
أ. الموظف كمؤثر: وهو شخص موظف في مؤسسة ما أو دائرة رسمية، يشارك يومه في العمل مع الجمهور.
2. الرياضي كمؤثر: مثل لاعبي كرة القدم، والسلة، والتنس، وكمال الأجسام، وغيرها من الرياضات الأخرى.
3. سفراء العلامات التجارية: هم أشخاص يدعمون علامة تجارية معينة ويروجون لها بصورة مستمرة.
4. الزبائن من مختلف المهن: العاملين في مجال الصناعة، والزراعة، وكافة الأعمال الأخرى، الذين يشترون المنتجات والسلع، ويقومون بتجربتها ومراجعتها أمام الجمهور في مقاطع مصورة حية أو مسجلة.
5. المدونون وصناع المحتوى المرئي (Vloggers): الذين يوظفون المنصات والوسائل لاستقطاب الجمهور والتأثير فيهم، فهناك فرق بين المدون والمؤثر، يظهر في حجم الجمهور، والمنصة التي يتم استخدامها لنشر المحتوى، فهناك مدون ناجح لكنه غير مؤثر؛ لأنه لا يمتلك عدد كبير من المتابعين.
6. الإعلامي كمؤثر: الإعلامي هو شخص يمتلك شهادة أو درجة أكاديمية في مجال الإعلام، يعمل في مؤسسة إعلامية (صحيفة، إذاعة، تلفزيون، موقع، وكالة)، وقد أصبح العديد من الإعلاميين اليوم مؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي ولديهم أعداد كبيرة من المتابعين؛ بسبب ما يمتلكوه من مهارات في جمع المعلومات، وتحرير الأخبار، والإلقاء، والتقديم، والتصوير، وغيرها من المهارات الإعلامية التي تسهم وبشكل فاعل في تكوين شخصية المؤثر في الإنترنت.
إنَّ الإعلام نمط اتصالي له حجمه ووظائفه في المجتمع، إذ يمكن القول أنه رسائل اتصالية فيها مضامين مختلفة يستقبلها الجمهور عن طريق وسائل الإعلام سواءً كانت تقليدية أم رقمية، في حين أن المؤثر هو شخص غالبًا ما يعمل بمفرده، وهنا من غير الممكن المقارنة بين الإثنين، لكنَّ تأثير المؤثرين على وسائل الإعلام والعملية الاتصالية واضح جدًا؛ فقد غيروا الطريقة التي ننظر بها إلى الأشياء والمنتجات والسلع، وأيضًا غيروا الطريقة التي يتقبل بها الفرد أفكار معينة، وهو أمر له علاقة بالنظرة السائدة على وسائل الإعلام اليوم، ألا وهي أنها تتبع سياسات معينة ولها أهداف محددة، إضافًة إلى الإخفاقات المتعلقة بنشر معلومات خاطئة أو غير صحيحة عن بعض الأحداث والقضايا، مما دفع الجمهور لمتابعة المؤثرين أكثر وعدّهم مصادر للحصول على المعلومات.
بدأت وسائل الإعلام اليوم باللجوء إلى المؤثرين وتوظيفهم في مجال تقديم البرامج والدراما والعلاقات العامة والإعلان (3)، لأنَّ هذه الوسائل تدرك تمامًا حجم الجمهور المتابع لهم، ومدى تأثرهم به، وقد شاعت هذه الظاهرة في وسائل الإعلام العراقية مؤخرًا وبدأنا نرى عبر الشاشات وجوهًا لأشخاص نالوا الشهرة عن طريق الإنترنت، وهو مؤشر سلبي يلغي وظيفة مقدم البرامج، والممثل، والإعلامي، الذي يمتلك المهارات الأساسية في مجال تخصصه.
لا ضرر من التعاون مع المؤثرين والاستفادة من خبراتهم وما يقدموه من موضوعات ومحتوى للجمهور، ولا توجد مشكلة في نقل هذه التجارب عبر وسائل الإعلام، شرط عدم إحداث أي خلل في العملية الإعلامية المتعارف عليها، والتي تخضع لأسس وضوابط وخطوات محددة لا يُمكن الاستغناء عنها، فعلى سبيل المثال تحرير الأخبار، أو تقديم النشرة الإخبارية، يتطلب شخصًا يمتلك مهارات الإعلام ويعلم جيدًا أساليب تحرير الخبر، وكيفية تقديمه، وهو ما لا يمتلكهُ المؤثر الذي يتميز محتواه بالعشوائية في سرد المعلومات، أو الأسلوب الأدبي الذي لا يخضع لضوابط العمل الصحفي.