كتب الأستاذ الدكتور أنيس الخصاونة….مضى ما يقرب من اربعة شهور على العدوان على غزة وعلى المجازر التي ارتكبها العدو وما زال على شعب أعزل حيث تم تشريده وهدم بيوته والتنكيل بأبناءه بدعم امريكي وبريطاني.
وفي الوقت الذي تشارك الولايات المتحدة في العدوان من خلال مستشاريها ومسيراتها وأسلحتها فإن القادة العرب يستقبلون وزير الخارجية الامريكية في عواصمهم ويتباحثون معه حول اليوم التالي للحرب وعن إدارة قطاع غزة وربما أشياء أخرى لا نعلمها . معظم القادة العرب يتباكون على ما يجري من فظاعات ترتكب كل يوم في مدن القطاع وعن الحال المزري الذي يعانيه اهل غزة، ولكنهم يمالئون الولايات المتحدة وينسقون معها ولا يفعلون شيئا سوى إرسال مساعدات إنسانية مثلهم مثل أي دول غربية وافريقية تتعاطف مع غزة وأهلها، لا بل فإن دولة مثل جنوب إفريقيا فعلت لأجل غزة ما لم تفعله أي دولة عربية .
هذه التوطئة لا جديد فيها حيث تدرك الشعوب العربية البون الشاسع الذي يفصل بين سلوك انظمتها السياسية وأماني الشعوب وطموحاتها ،لكن المثير للإستهجان ان تقوم موانئ بعض الدول العربية باستقبال البضائع المتجهة للكيان المحتل وذلك إثر اعتراض الحوثيين في اليمن للسفن المتجة للكيان. ولم يقف الأمر عند ذلك فحسب بل تجاوزه الى إرسال البضائع والتموين للإحتلال وذلك عبر رحلات جوية وبرية مما يضع علامات استفهام على بيانات التعاطف التي يصدرها المسؤولون في هذه الدول مع غزة وأهلها. وفي دولة عربية جارة لغزة يتم الخضوع لرغبات وتعليمات الإحتلال فيما يتعلق بدخول المساعدات الانسانية والطبية، ويذهب الأمر لأبعد من ذلك لابتزاز الغزيين الذي ينشدون الخروج للمشافي في تلك الدولة ،حيث أصبحت هناك تجارة رائجة ومكلفة جدا لأهل غزة للحصول على تصريح للدخول لتلك الدولة للعلاج وبكلف تصل لعدة آلاف من الدولارات يتقاسمها تجاروحيتان بالتعاون مع جهات غير معروفة .
العدوان على غزة كشف عورات الأنظمة والقيادات العربية التي يتمنى بعضها زوال المقاومة وانتصار الإحتلال ،وفي العلن يعلنون الشجب والاستنكار لمجازر غزة . وباستثناء موقف الجزائر والموقف الأردني الواضح بشأن ما يجري في القطاع ،فإن مواقف معظم الدول العربية بما فيها موقف السلطة الفلسطينية قاصرة ومخجلة مقارنة مع مواقف دول امريكا اللاتينية وماليزيا وجنوب افريقيا والباكستان وغيرها.صحيح ان مواقف حزب الله في لبنان والعراق وكذلك الحوثيين في اليمن مواقف ايجابية تجاوزت الكلام والشجب لتنخرط في الحرب، لكن هذه تبقى حركات مقاومة وليست دول كما أن ارتباط هذه الحركات بجمهورية إيران الإسلامية لا يعيبها ، فلماذا نقدر مواقف الإكوادور والسلفادور وكوبا وهي دول غير اسلامية ونعيب على حزب الله والحوثيين الداعمين لفلسطين وغزة مواقفهم بحجة إرتباطها بإيران !!
الولايات المتحدة الأمريكية تهيمن على الأغلبية الساحقة من الدول العربية لكن أمريكا التي تدعي الديمقراطية وحقوق الانسان تسيطر عليها الحركة الصهيونية والإيباك وبالتالي فهي عدو للعرب وعدو للشعوب وعدو للتحرر والإستقلال. ولعل هذا ما يفسر قيام البيت الأبيض يوميا بعقد مؤتمرات صحفية عن سير المعارك في غزة ويرفض أي وقف لإطلاق النار ويدافع عن أي مواطن في دولة الاحتلال يحمل الجنسية الأمريكية في حين يتعامى عن مصير المعذبين من أبناء غزة ممن يحملون جنسية الولايات المتحدة الأمريكية.
امريكا تحمي الأنظمة العربية غير الديمقراطية ما دامت هذه الانظمة تحمي مصالح امريكا ، والديمقراطية التي يتشدق بها المسؤولون الامريكان كلام كذب ولا علاقة له بصلات هذه الدولة بالدول العربية.أمريكا ستتخلى عن الأنظمة العربية التي لا تحقق مصالحها في المنطقة ، وهذا يضع القيادات العربية في مواقف متناقضة بين طموحات شعوبهم في الاستقلال والسيادة والخروج من حالة التبعية لامريكا وبين هرولة القيادات العربية للخضوع لمصالح امريكا طمعا في الحماية لأنظمتهم وسلطاتهم. التاريخ يخبرنا بأن الأنظمة السياسية التي لا تستند الى شرعية الشعوب والتي تتماهى مع مصالح دول وشعوب أخرى على حساب أماني مواطنيها وطموحاتها هي أنظمة زائلة بفعل قوى حتمية تاريخية(Inevitable Forces).هذه القوى الحتمية هي التي أزالت نظام مصدق في إيران ،ونظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا ،ونظام شاوسسكوا في رومانيا ، والأنظمة القبلية في رواندا ومعظم دول القارة السوداء ،وأنظمة الاستبداد في دويلات اوروبا إبان عصر الإقطاع فهل من مدكر.