كتب د. خالد عليوي العرداوي: وجد القانون في حياة البشر للحفاظ على حقوقهم، وتنظيم حرياتهم وعلاقاتهم ومؤسساتهم، فالقانون يوفر النظام للناس، وغيابه يعني الفوضى وضياع الحقوق، ولذا أوصى الإمام علي (ع) من حضره في أيام احتضاره بالقول: “أوصيكم بتقوى الله، ونظم أموركم…”.
ونظم الأمور لن يتحقق إلا بالقانون، فبعد خوف الله سبحانه وتعالى، لن تجد أفضل من القانون رادعاً للإنسان من الاعتداء على أخيه الإنسان، بل إن بعض المجتمعات ضعيفة الوازع الروحي، تكون خشيتها من القانون الذي تسهر على تنفيذه سلطات حازمة وقوية ونزيهة أكثر من خشيتها من خالقها، مما يفسر سبب سيادة الأمن والاستقرار فيها، واهتزازه في مجتمعات أخرى أشد منها تعلقاً بالقيم الروحية، ولكنها أقل منها احتراماً لسيادة لقانون.
ومن دون سيادة القانون لا وجود للنظام في حياة الأمم، ومن دون النظام لا مكان لها في السيادة الحضارية، ولذا قيل: إن النظام هو القانون الأول في العالم.
وعلى الرغم من الأهمية الفائقة لسيادة القانون، تجد أن هناك بعض الأمم والشعوب لا تعيرها الاهتمام اللازم، ويستبد بأفرادها وحكامها ومؤسساتها الشعور باللامبالاة، والتراخي، وعدم الاحترام للقانون، بل غالباً ما تصبح الكثير من نصوص القانون مجرد مواثيق محفوظة فوق الرفوف، ولا تكتسب الرسوخ في العقول والضمائر، وفي تنظيم علاقات الأفراد والمؤسسات، حتى لو كان بعضها جيداً وعادلاً.
بناء على ما تقدم، ما هي الأسباب الكامنة وراء عدم احترام سيادة القانون، لا سيما في مجتمعاتنا العربية والإسلامية؟
إن الأسباب كثيرة، يمكن الإشارة إلى الأبرز منها، وهي:
-أجنبية القانون بالنسبة للمجتمع، فمعظم مجتمعاتنا العربية والإسلامية لم تخض نضالها الخاص بها، من أجل بناء دولتها الحديثة، وغالباً ما كان إدراكها لهذه الدولة مرتبطاً بالنضالات التي خاضتها الشعوب الغربية، فوصلتها الدولة الحديثة كقوالب مستوردة من تجارب شعوب أخرى.
-سلطوية القانون، وهي إن معظم القوانين المشرعة في مجتمعاتنا كانت -وما زالت- أصداء لحاجات وميول القابضين على السلطة، لا حاجات ومصالح المجتمع بالدرجة الأولى، فهي نازلة من فوق (السلطة)، وليست صاعدة من تحت (المجتمع)، وتصدر وفقاً للمسلمات السياسية والأخلاقية للحكام، ولذا صارت طاعتها والخضوع لها اجتماعياً محل شك.
– ازدواجية القانون، وهي من أسوأ الأمور التي تدفع الفرد دفعاً إلى عدم احترام القانون، فالانتقائية في تطبيق القانون تعني عدم تطبيقه بعدالة بين الناس بصرف النظر عن: غنيهم وفقيرهم، قويهم وضعيفهم، جاهلهم ومتعلمهم…الخ.
-تعدد القوانين، أي وجود أكثر من منظومة قانونية في المجتمع الواحد، لأسباب دينية أو اجتماعية، بحيث كل منظومة تحاول فرض نفسها على المنظومة الأخرى، والتشكيك بشرعيتها.
– ضعف سلطات إنفاذ القانون، فالقوانين ليست مجرد نصوص تشرعها الهيئات التشريعية للدولة، بل تمثل الإرادة العامة للمجتمع، وهي إرادة واجبة التنفيذ بحزم وعدل، وعندما تعجز هيئات إنفاذ القانون عن تنفيذ هذه الإرادة، فهي تحكم على نفسها بالفشل والضياع، وتكشف عن وجود فجوة خطيرة بين الهيئة التشريعية والهيئة التنفيذية في الدولة الواحدة.
كيفية معالجة مشكلة عدم احترام سيادة القانون؟ لا تبدو الحلول واعدة لحل مشكلة متجذرة ومستمرة وخطيرة كمشكلة عدم احترام سيادة القانون في مجتمعاتنا، ولكن بداية الحل تكون من خلال:
– إدراك أهمية احترام القانون، وارتباطها المفصلي بالسيادة الحضارية للمجتمع، فأي مجتمع يتطلع للسيادة الحضارية في العالم عليه أن يتشرب -أفراداً وحكومات- سيادة القانون، وجعلها السبيل الصحيح نحو صناعة الحياة والمستقبل.
– تعديل النظر إلى الدولة الحديثة – دولة القانون والمؤسسات- من كونها مجرد تجربة أجنبية مستوردة إلى كونها خلاصة التجربة الإنسانية في بناء الدولة.
– تطوير عملية تشريع القوانين لتكون نابعة من حاجات اجتماعية حقيقية لا من مصالح سياسية فوقية ضيقة، ويتطلب ذلك التأني في عملية التشريع، والاستفادة من استطلاعات الرأي العام في فهم حاجات المجتمع.
– توحيد المرجعيات القانونية، وتقوية هيئات إنفاذ القانون، وأن تكون القوانين عادلة وتطبق على جميع المواطنين بدون انتقائية أو تسويف ومماطلة.