كتب أ.د. طلال ناظم الزهيري: لقد حظيت الجامعات العراقية منذ مدة طويلة بالاحترام لمساعيها التعليمية والبحثية لقادة المستقبل والأجيال الواعدة من المبتكرين.
ومع ذلك، وفي ظل التركيز على التميز الأكاديمي والبحثي، غالباً ما يتم التغاضي عن الدور الحيوي لهذه المؤسسات في خدمة المجتمع. إن إدراك أهمية هذه الركيزة الثالثة – خدمة المجتمع – أمر بالغ الأهمية لبناء مجتمع مستدام ومزدهر.
وفي هذا السياق، لا بد من تسليط الضوء على الإمكانات غير المستغلة، التي تمتلكها الجامعات العراقية في خدمة مجتمعاتها. ففي الوقت الذي تتفوق الجامعات في أدوارها التعليمية والبحثية، حيث تضع الأساس لمجتمع متعلم وتحفز الابتكار والرغبة في اكتساب المعرفة.
فإن دورها في مجال خدمة المجتمع لا يزال يشكل فجوة كبيرة. مع الإقرار إن خدمة المجتمع لا تعزز سمعة الجامعة فحسب، بل تعزز أيضاً الشعور بالمسؤولية بين أعضاء هيئة التدريس والطلاب، مما يجعل التعليم قوة للتغيير الإيجابي خارج جدران الحرم الجامعي.
إن نطاق الخدمات التي يمكن أن تقدمها الجامعات للمجتمع واسع ومتنوع، بدءاً من توفير الخبرة الفنية للمنظمات والشركات والمجتمعات المحلية، وإجراء برامج التوعية، وتقديم التعليم المستمر للبالغين. يمكن أيضاً للأساتذة والطلاب المشاركة في البحوث المجتمعية والمبادرات التطوعية وبرامج الإرشاد، مما يسهم بشكل كبير في الاستدامة الاجتماعية.
كما يمكن للأساتذة والطلاب التعاون في المشاريع التي تلبي احتياجات المجتمع بشكل مباشر من خلال الاستفادة من خبراتهم العلمية والمهنية، ومن المهم أيضاً أن تعمل الجامعات بما تمتلكه من موارد وخبرات على إطلاق برامج تركز على الرعاية الصحية، والحفاظ على البيئة، ومحو الأمية، وتنمية المهارات والقدرات للعاملين في القطاعات المختلفة.
إن التفاعل مع المجتمعات المحلية سوف يثري تجربة التعلم ويحقق أيضاً تأثيراً عميقاً على المجتمع، ويعزز الشعور بالانتماء والتقدم المشترك، ولتعظيم التأثير المحتمل، من الضروري أن تعمل الجامعات جنباً إلى جنب مع المجتمعات المحلية والهيئات الحكومية.
وإدراكاً للحافز المتأصل لدى الطلاب والأساتذة، يمكن للجامعات إنشاء إطار من الحوافز التي لا تعترف بمساهماتهم فحسب، بل تشجعهم أيضاً على المشاركة بنشاط في خدمة المجتمع. وذلك من خلال تقديم المكافآت المادية والمعنوية والاعتبارية الملموسة، مثل المنح الدراسية والجوائز من خلال وسائل مختلفة.
إن تقديم المنح الدراسية للمشاركة في خدمة المجتمع يمكن أن يجعل التعليم في متناول أولئك الذين يساهمون بنشاط في مجتمعاتهم. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لمهرجانات توزيع الجوائز والتكريم والاحتفال بالمشاريع الخدمية المتميزة، أن تكون مصدر إلهام للآخرين ليحذوا حذوها.
يمكن للجامعات أيضاً التعاون مع قطاع الصناعة لتقديم برامج تدريب تهدف إلى تعزيز القدرات، وتزويد العاملين بالمهارات العملية والفنية والتقنية التي تساعد على الابتكار والتطوير. وتجدر الاشارة إلى أن المنح البحثية، وإجازة التفرغ، والتطوير المهني المخصصة للمشاريع التي تركز على المجتمع يمكن أن تغذي الحلول المبتكرة للتحديات المحلية.
على سبيل المثال يمكن تقديم التفرغ كمكافأة، مما يسمح للأساتذة بتخصيص وقت مركّز لمبادرات خدمة المجتمع. علاوة على ذلك، يمكن للجامعات الاستثمار في برامج التطوير المهني المستمر، مما يمكّن الأساتذة من تعزيز خبراتهم مع تطبيق معارفهم بشكل مباشر من أجل تحسين أوضاع المجتمع. ومن خلال إطلاق برامج التعاون مع المؤسسات الصناعية والزراعية والخدمية، يمكن للجامعات خلق فرص التدريب للطلاب ضمن مشاريع خدمة المجتمع. لا تعمل هذه التجارب الواقعية على إثراء تعلم الطلاب فحسب، بل توفر أيضاً قوة بشرية قيمة للمبادرات المجتمعية.
يمكن لبرامج الإرشاد، التي يسهلها خبراء الصناعة، توجيه الطلاب والأساتذة، وضمان توافق مساهماتهم مع احتياجات العالم الحقيقي. علاوة على ذلك، يمكن للصناعات أن توفر فرص عمل للطلاب المشاركين في خدمة مجتمعية مؤثرة، مما يوفر مساراً وظيفياً ملموساً كحافز لجهودهم.
وهنا نؤكد أهمية الشفافية والمساءلة لضمان فعالية وواقعية هذه الحوافز، يجب على الجامعات إنشاء أنظمة مراقبة وتقييم شفافة تهدف إلى التتبع المنتظم، لتأثير مبادرات خدمة المجتمع ومشاركة قصص النجاح حتى تكون حافزا للآخرين على المشاركة. بالإضافة إلى ذلك، فإن إشراك الطلاب والأساتذة في عملية التقييم يمكن أن تغرس الشعور بالملكية، وتشجعهم على المساهمة بنشاط في نجاح مشاريعهم. بالتالي يمكن القول إن الجامعات العراقية تستطيع تحويل بيئاتها الأكاديمية إلى مراكز للتغيير الاجتماعي.
خاصة أن المشاركة بنشاط في خدمة المجتمع لا يثري تجربتهم التعليمية فحسب، بل يخلق أيضاً تأثيراً دائماً على المجتمع. كما يمكن للجامعات أن تلهم جيلاً من المواطنين المسؤولين اجتماعياً، مما يمهد الطريق لمستقبل أكثر إشراقاً وازدهاراً للمجتمع العراقي.
ختاماً نؤكد على الدور الريادي للجامعات العراقية كونها حجر الأساس للمعرفة، ورعاية قادة المستقبل وإلهام الابتكار. على أن تأخذ بنظر الاعتبار أيضاً المجال الحاسم لخدمة المجتمع غير مستكشف. ومن خلال فهمنا للأثر العميق للمشاركة المجتمعية، ندعو الجامعات على سد هذه الفجوة والاستفادة من مواردها لتحقيق الصالح العام للمجتمع. الذي يعد حجر الزاوية في الاستدامة.
الخدمة المجتمعية اليوم ليست مجرد مسعى خارج المنهج؛ بل حجر الزاوية لبناء مجتمع مستدام ومزدهر. إضافة إلى تعزيز سمعة الجامعة، وتحويل التعليم إلى قوة ديناميكية للتغيير الإيجابي.