مقالات
أخر الأخبار

الحصانة والجواز الدبلوماسي

كتب زهير كاظم عبود.. بموجب قانون جوازات السفر المعمول به في العراق، يتم منح عدد من المراكز القانونية العاملة في السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية جوازات سفر دبلوماسية، أو جوازات سفر خدمة بحسب مقتضى الحال، وتم تحديد تلك المراكز حصرا ضمن القانون، ويتم إصدار وثيقة سفر رسمية ونافذة، وذلك لتســهيل أداء الموظف لمجموعـة مـن الأعمــال المهمــة التــي تخــدم مصالـح دولته، وتحمــل امتيازات تســهل لهم تسيير الأمــور والمعامــلات والتنقــل والترحــال .

الحَصانة الدبلوماسية مصطلح قانوني، وهي توفر الامتياز الذي يمُنح إلى بعض الناس الذين يعيشون في البلاد الأجنبية، وهي تسمح بأن يظلوا خاضعين لسلطة القوانين في بلادهم، فالسفراء أو الوزراء والوكلاء الدبلوماسيون الآخرون يُمْنَحون هذا الامتياز. ومثل هؤلاء لا يمكن القبض عليهم لمخالفة قوانين البلاد التي يُرسلون إليها.

وكان نظام جوازات السفر الصادر عام 2011 وقانون جوازات السفر المرقم 32 لسنة 2015 قد بيّنا بشكل واضح الفرق بين جواز الخدمة والجواز الدبلوماسي، ونصت فقرات المادة ( 16 ) من النظام على منح الأشخاص الوارد ذكرهم في المادة (17) ومعهم أزواجهم وأولادهم الذين يعيلونهم قانونا، ونصت الفقرة ثانيا وثالثا من المادة (17) منه على احتفاظ المتقاعدين المشمولين بجواز الخدمة أو الدبلوماسي، ومعهم أزواجهم وأولادهم الذين يعيلونهم قانونا، بجوازات سفرهم الدبلوماسية .

إن الغاية من منح الموظف جواز السفر الدبلوماسي أو الخدمة، توفير الحماية القانونية التي تميزه عن باقي الأفراد، وتسهل له حرية التنقل والحركة من دون قيود، كذلك فإن هذه الامتيازات تنسجم مع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، ويتم التعامل بها بين الدول التي تتبادل العلاقات الدبلوماسية، وتوفر للشخص الممنوح جواز السفر الحصانة القانونية التي تحميه من الخضوع لقانون الدولة التي يقيم فيها، إذ سيخضع لقانونه الوطني في حال ارتكابه جريمة، بالإضافة إلى توفير الحماية المطلوبة للمقر الدبلوماسي والبعثة الدبلوماسية.

ووفقا للقانون الدولي، فإنه يفرض تلك الامتيازات التي تتحكم في العلاقات الدبلوماسية بين الدول، وتوفر لحامل الجواز الدبلوماسي نوعا من الاستقرار وسهولة أداء العمل المناط به، وحين تجد الدولة المضيفة أن الشخص حامل جواز السفر الدبلوماسي تصرف تصرفا يتجاوز فيه حدود عمله، أو أنه تصرف تصرفا يضر بأمنها أو مصالحها، تعتبره شخصا غير مرغوب ببقائه على أرضها، وتطلب منه مغادرة أراضيها خلال فترة قصيرة تحددها .

وجرى تعديل على قانون جوازات السفر من قبل مجلس النواب العراقي، الذي أقر تعديلا يقضي بأن يحتفظ عدد من أشخاص السلطتين التشريعية والتنفيذية بجوازات السفر الدبلوماسية مع زوجاتهم واولادهم حتى بعد إحالتهم على التقاعد، وبعد انتهاء مهماتهم الدبلوماسية أو التشريعية، ولأن القرار المذكور يعد تجاوزا على السبب الرئيس الذي تم بموجبه منح الشخص الجواز الدبلوماسي أو جواز الخدمة، إذ لا يمارس هذا العمل ولا أحد أفراد عائلته بعد إحالته على التقاعد، وتنتفي عنه صفة الحماية القانونية، فقد أقدم السيد وزير الخارجية على الطعن بالفقرة الواردة بالقانون المذكور أمام المحكمة الاتحادية العراقية العليا، التي باشرت النظر بالقضية وأصدرت أمرا ولائيا بإيقاف تنفيذ النصوص الواردة في التعديل الخاص بقانون جوازات السفر لحين البت في القضية المعروضة وحسمها، وانصب الطعن المقدم على الشكلية في توفر الأسباب القانونية لإصدار التعديل .

الغاية الأساسية من منح الشخص جوازا دبلوماسيا أن يؤدي واجبه التنفيذي ممثلا لدولته أمام الدولة التي يقيم فيها، فيضفي عليه بالإضافة إلى الصفة الدبلوماسية، الحماية القانونية التي يوفرها القانون الدولي والاتفاقيات الدولية والقانون الوطني، فإذا انتفت تلك الغاية، لم يعد هناك مبرر أو مسوغ لاستمرار حصول الشخص المذكور أو زوجته أو أولاده على تلك الجوازات، إذ يعود مواطنا عراقيا يتساوى مع بقية المواطنين بالحقوق والواجبات، ويتحول من موظف دبلوماسي إلى موظف متقاعد، والمتقاعد يعني إكمال الموظف للمدة المقررة لعمله الإداري الوظيفي، ثم بلوغه السن القانونية التي تنهي استمرار عمله مقابل تقاضيه مبلغا من المال ، وبهذا يتجرد الموظف من مهمته التي يحميها مركزه القانوني، فتمنحه الدولة جواز سفر دبلوماسيا ولأفراد عائلته، وبهذا النص نكون قد تناقضنا مع مفهوم الموظف الدبلوماسي في القانون الدولي الذي نصت عليه اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961، التي تجعل استمرار المبعوث الدبلوماسي في عمله امتيازا يوفر له الحماية القانونية وحرية الحركة، وتنتفي تلك الامتيازات بعد تركه للوظيفة أو العمل، فإذا كان العمل الدبلوماسي هو الذي يوفر لعائلة الدبلوماسي الحصانات والامتيازاتـ فلم يعد هناك موجب لاستمرار حصول الشخص المذكور وعائلته على تلك الحصانة والامتيازات، بالنظر لتركه مركزه القانوني والدبلوماسي، فلم يعد يمثل دولته، ولا يمكن له أن يمارس العمل الدبلوماسي ليمثل دولته أمام الدولة المضيفة، وينسحب ذلك على عدم إمكانية استمرار الحصول والتمتع بالامتيازات لعائلة الدبلوماسي المحال على التقاعد، بما فيها حملهم جوازات السفر الدبلوماسية، التي سيتمتع بها بديله من الموظفين .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى