مقالات
أخر الأخبار

الحاجة إلى ثورة زراعيَّة كبرى

كتب عباس الصباغ: لا يستقيم أمر الاقتصاد العراقي الذي ما زال يعاني من اختلالات بنيوية وهيكلية كبيرة وراسخة بدون التحول التدريجي والممنهج إلى اقتصاد السوق (الحر)، وبدون اللجوء إلى تنويع مفاصل الاقتصاد، لكسر احتكار الريع النفطي، الذي ما زال يعتمده الاقتصاد العراقي بشكل شبه تام منذ عقود طويلة.

 

ومن جملة الفعاليات المطلوبة لذلك إحداث ثورة اقتصادية شاملة على مستوى الصناعة والزراعة وبقية القطاعات الإنتاجية الأخرى، لأن الاعتماد الريعي الكلي على النفط هو أشبه بالمقامرة الخاسرة، ومن الخطأ الاستراتيجي الصارخ ارتهان اقتصاد أي دولة به وبدون اللجوء إلى تنويع مصادر التمويل النقدي الأخرى، للموازنات المالية العامة للدولة، لا سيما العراق.

لذا لا بد من تصحيح مسارات الاقتصاد العراقي، وبعدة اتجاهات ومن جملة آليات التصحيح إحداث ثورة زراعية كبرى، إي إعادة العافية للقطاع الزراعي، لأن الزراعة قطاع استراتيجي وحيوي، ويمثل نفطاً لا ينضب، فالاقتصاد الريعي غير متوازن وغير مستدام، إذ يعتمد بشكل كبير على ارتفاع وانخفاض أسعار الموارد الطبيعية كالنفط مثلاً، مما يسبب عدم استقرار اقتصادي كبير، وبقاء الصفة الريعية للاقتصاد يقود إلى تعزيز الاعتماد على الاستيراد، ويصبح الاقتصاد عرضة للصدمات الاقتصادية والحادة وربما المفاجئة، ولا يتم الشروع بهذه الثورة الّا بتحقيق تفعيل التصنيع الغذائي والتسويق الزراعي، وهو مهم وأساسي في الحفاظ على القيمة الاقتصادية للمحاصيل والمنتجات الزراعية، وأحد أسباب نجاح وسائل الترويج الزراعية، فضلاً عن اعتماد التسويق الزراعي المناسب للمحصول أو المنتج الزراعي بفروعه النباتي والحيواني والاستزراع السمكي، وبجميع مفاصله، والشيء الأهم هو منع الإغراق السلعي للمحاصيل الزراعية لتشجيع المنتج الوطني من جهة، والحفاظ على العملة الصعبة من جهة أخرى.

فالعراق يملك ملايين الدونمات الصالحة للزراعة، ويطمح العراقيون إلى تحقيق ثورة زراعية توظف قدرات البلاد بالاتجاه الذي يحقق منفعة كبرى، بوجود نحو 22.1 مليون دونم صالح للزراعة الإروائية، ونحو 9.4 ملايين دونم صالح للزراعة الديمية، كما يمكن أن توظف بالشكل الذي يغطي متطلبات السوق المحلية من مختلف المحاصيل الزراعية، لتحقيق الحد الأدنى من الأمن الغذائي، الذي هو عماد الأمن القومي لأي بلد كالعراق.

وفي هذا المطلوب جنبتان، الأولى تحقيق إحدى ركائز الأمن القومي، والثانية المساهمة برفد الموازنة المالية العامة والتقليل من نسب العجز النقدي فيها، إذ تعد الزراعة من النشاطات الاقتصادية الرئيسة، التي تسهم فـي الاقتصاد الوطني، وتحقيق الأمن الغذائي يعتمد بالدرجة الأساس على توفير الغذاء من الإنتاج الزراعي المحلي، ويسهم نهوض القطاع الزراعي بتنويع الاقتصاد وتخفيف وطأة الفقر وتحسين الميزان التجاري، وتحقق حركة لمعظم القطاعات المرتبطة به بصورة مباشرة وغير مباشرة.

ولتحقيق التكامل في هذا القطاع لا بد من مواجهة التحديات، التي تعيقه مثل ظاهرة التصحر والتملح اللتين تحدثان غالباً بسبب الاستغلال المفرط والاستخدام غير المناسب للأنظمة الايكولوجية للأراضي الجافة، التي تغطي أكثر من ثلث مساحة اليابسة في العالم، إضافة إلى شح المياه، ومن أسبابها عدم حصول العراق على حصته المائية الكافية، نتيجة قيام بعض دول الجوار (المنبع) بتقليل الإطلاقات المائية لنهري دجلة والفرات، وإنشاء السدود على فروعهما، الأمر الذي أدى إلى جفاف وتصحر الأراضي وهجرة السكان، يضاف إلى كل ذلك ضعف الخطة الإروائية في توزيع الحصص المائية على الفلاحين، ناهيك عن الطرق القديمة والمتخلفة للسقي والابتعاد عن الطرق الحديثة للري مثل (الرش والتنقيط)، ولن تتحقق الثورة الزراعية الكبرى إلاّ بتجاوز هذه التحديات وصولاً إلى تحقيق الحد الأدنى من الاكتفاء الذاتي المنشود.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى