التسرب من التعليم
كتب بشير خزعل: واحدة من علامات اتساع رقعة الأمية في المجتمع العراقي، هي ظاهرة التسرب أو العزوف عن التعليم، فبحسب وزارة التربية يوجد أكثر من 151 ألف متسرب في مراحل الدراسة الابتدائية والثانوية في عموم البلاد، وما زال العدد في تزايد مستمر مع وجود مغريات التسرب بذريعة العمل وتأمين لقمة العيش، في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي وصولاً إلى يومنا هذا.
لم تكن الأسر العراقية من طبقات غنية أو متوسطة تشكل نسبة كبيرة في أوساط المجتمع، بل كان الأعم هي أسر كادحة وفقيرة من فلاحين وعمال وكسبة بالكاد يؤمنون قوتهم اليومي، لكن هذه الفئات الاجتماعية أنجبت علماء وأطباء ومهندسين، ما زال الكثيرين منهم من أعلام البلد، ولو تمعنا قليلاً في الشارع العراقي لوجدنا أن أغلب الصبية بأعمار من 10- 17 عاماً هم من سواق (التك التك)، الذي أصبح بديلاً عن مقعد الدراسة.
أما كمستوى صحي لفئة الشباب، فالرياضة لم تعد تستهوي العاملين طوال النهار، ويفضلون الاستراحة في مقاهي الأرجيلة، التي استباحت أغلب المناطق السكنية، واقع تعليمي لا يبشر بخير إن ظل واقع التسرب من الدراسة بهذا الشكل ومن غير رادع قانوني، وزارة التربية من جابنها انتبهت لهذا التوسع في ظاهرة التسرب من المدارس وأطلقت مبادرة (العودة إلى التعليم) من خلال إعداد برامج تربوية خاصة بالتنسيق مع منظمة (اليونيسيف)، التي أسهمت بإعداد الخطط الكاملة وتدريب ألف و688 موظفاً من الملاك التربوي لتنفيذ المبادرة، مع تشكيل نحو 180 لجنة فرعية في عموم البلاد، خاصة في المحافظات المحررة.
في دول كثيرة يعاقب القانون، الأهالي بغرامات مالية كبيرة والحبس، فيما إذا ثبت حرمان الأبناء من التعليم لأغراض العمل الإجباري أو الطوعي لمن هم دون سن العاشرة، ومثل هذه القوانين محقة في حفظ حق الأطفال في التعليم، إطلاق حملة إعلامية لتوعية وتثقيف أهالي الطلبة المتسربين بمخاطر تسرُّب أولادهم من المدارس، والعمل على ضرورة التحاقهم من جديد، ربما يخفف نوعاً ما من آثار هذه الظاهرة، لكن تشريع قوانين جديدة تحفظ حق الأبناء في التعليم وتجبر الأهالي على متابعة تعليمهم، هو الأضمن في تضييق وحتى اختفاء ظاهرة التسرب من الدراسة، مغريات الولوج في العمل مبكراً والانجراف نحو الفساد الأخلاقي المبكر في الكافيهات وغيرها من وسائل تتيح الانخراط بمثل هذه الأمور، لا تنتج جيلاً أمياً فقط، بل ستتوسع ظاهر الانحلال الأخلاقي وتعاطي المخدرات وصولاً لعالم الجريمة والإدمان، فمقاعد الدراسة تختلف عن مقاعد “التك التك” والأركيلة بنسبة الألف بالمئة.
لا نريد هنا التضييق أو التقليل من شأن العاملين الكادحين في مهنة “التك التك” وغيرها من المهن التي تسبب بها الوضع الاقتصادي في مراحل مختلفة ما بعد العام 2003 وما قبله، لكن استباحت حق الطفولة ونحن نشاهد صبياً بعمر 9 و10 سنوات وحتى 13 عاماً، وهو يعمل في مهنة لا مستقبل لها وستفضي إلى إنتاج رجل أمي لا يعرف القراءة والكتابة، بسبب غفلة وتغاضي وتماهل من جميع الأطراف (الأهل والمدرسة وقانون الدولة).