كتبت د. تمارا برو: اهتز العالم بنبأ قصف مستشفى أوخماتديت للأطفال في كييف، أكبر منشأة لطب الأطفال في أوكرانيا، واتهم الغرب روسيا بقصف المستشفى، حتى وصل الأمر بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، التصريح خلال مقابلة له بقمة حلف شمال الأطلسي في واشنطن، بأنه يرغب في قتل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بينما نفت روسيا من جهتها قصف المستشفى، واعتبرت أن المستشفى أصيب بصاروخ مضاد للطائرات من منظومة “NASAMS” النرويجية.
من غير المعلوم من أطلق الصاروخ الذي أودى بحياة العشرات، وإصابة المئات من الأوكرانيين، ولكن حتى لو كانت أوكرانيا هي المسؤولة، فإن الغرب سيتهم روسيا بذلك.
وتجدر الإشارة إلى أن سقوط الصاروخ على المستشفى جاء قبل يوم واحد من قمة حلف شمال الأطلسي في واشنطن، والتي أقرت حزمة مساعدات عسكرية جديدة لأوكرانيا بقيمة 40 مليار يورو للعام المقبل، وإعلان عدد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية، على هامش القمة، أنها سترسل إلى أوكرانيا أنظمة دفاع جوي إضافية، بما في ذلك بطاريات صواريخ باتريوت وطائرات F16.
أدانت الدول الغربية قصف مستشفى الأطفال في كييف. فالرئيس الأميركي جو بايدن، وصف الهجوم بأنه” تذكير مروع بوحشية روسيا”، بينما رئيس الوزراء البريطاني الجديد، كير ستارمر، اعتبر أن مهاجمة الأطفال الأبرياء من أشد الأفعال فساداً.
أما رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، غرد بأن ضرب مستشفى للأطفال، والأطفال الأبرياء بداخله، لا يمكن تبريره، ووصفت وزيرة الخارجية الألمانية نانسي فيزر، الهجوم على المستشفى، بأنه” جريمة حرب”، ودعا مسؤولو الاتحاد الأوروبي، إلى محاسبة المسؤولين الروس عن هذا الهجوم.
من الواضح اتباع الغرب سياسة ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين في حربي غزة وأوكرانيا، وهو ما دفع رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، الذي اعترفت بلاده بالدولة الفلسطينية مؤخراً، إلى الدعوة، في قمة حلف شمال الأطلسي، لعدم اتباع سياسة الكيل بمكيالين في حربي غزة وأوكرانيا، وذلك بعد إقرار مساعدات عسكرية لكييف.
الغرب يتعامى عن المجازر التي يرتكبها الاحتلال في قطاع غزة، هذه المجازر التي لم تشهد لها البشرية مثالاً، تدل على وحشية الكيان الغاصب، فلم نسمع أصوات هؤلاء الزعماء ينددون بالمجازر الإسرائيلية ويعتبرون الهجمات العسكرية على قطاع غزة، جرائم حرب، ويدعون إلى محاسبة المسؤولين الإسرائيليين، وعلى رأسهم رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، المتعطش للدماء.
يبدو أن صور أطفال غزة المقطعة أشلائهم والمصابين بإعاقات جراء القصف الإسرائيلي، والأطفال الذين يعانون الجوع والعطش، لم تشفع لهم عند زعماء الغرب، الذين تباكوا على أطفال أوكرانيا.
هزّ ضرب مستشفى للأطفال في كييف، مشاعر زعماء الغرب، بينما قصف وحصار مستشفيات قطاع غزة لم تحرك ساكناً مشاعر الرحمة في قلوبهم، التي يبدو أنهم قد جردوا منها.
عشرات الضحايا في هجوم مستشفى كييف كانت كفيلة بإثارة غضب الغرب، بينما حرب غزة التي راح ضحيتها أكثر من 15 ألف طفل وإصابة آلاف الأطفال، فضلاً عن المفقودين ومنهم من يعاني الجوع إذ أنه بحسب المكتب الإعلامي في غزة، فإن أكثر من 3500 طفل دون سن الخامسة، معرضون لخطر الموت التدريجي في القطاع، بسبب اتباع الاحتلال سياسة التجويع، وبعض الأطفال قد ماتوا بسبب الجوع، وبحسب المفوض العام لوكالة الأونروا، فإن 10 أطفال يفقدون ساقاً أو ساقين يومياً في غزة، ليست كافية لإدانة إسرائيل.
وصف الرئيس الأميركي جو بايدن، الهجوم على مستشفى الأطفال في كييف، بأنه يدل على ” وحشية روسيا”، بينما عندما ضربت إسرائيل مستشفى المعمداني الذي راح ضحيته مئات الشهداء والجرحى، أعرب بايدن عن أسفه للقصف، متهماً الجانب الآخر أي حماس بالهجوم، وليس إسرائيل.
الدول الغربية التي تدعي الحفاظ على الديمقراطية وحقوق الإنسان، أثبتت أنها تستعمل المصطلحات لحماية مصالحها فقط، وفي الحالات التي تريدها، فإذا كان زعماء الغرب يصفون الهجمات الروسية على أوكرانيا بأنها جرائم حرب، فماذا يسمون المجازر التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة؟
يصفون الرئيس الروسي بأنه مجرم حرب وقاتل، بينما التزموا الصمت حيال وصف بنيامين نتنياهو بالمجرم، ولو أمكن لهم لوصفوه بأنه رجل سلام، ومنحوه جائزة نوبل للسلام، وكل ذلك دفاعاً عن مصالحهم.
قال الرئيس الأميركي جو بايدن، إن انتصار أوكرانيا وإسرائيل أمر حيوي للولايات المتحدة الأميركية، ومن شأنه أن يعزز أمن أميركا، التي تدعم الكيان وكييف، بالذخائر والأسلحة، ولكن في النهاية لا أوكرانيا ولا إسرائيل ستنتصران في الحرب، التي يبقى المدنيون هم كبش المحرقة فيها.