كتب كاظم الزهيري: يمتلك الإعلام حيزاً كبيراً وأفقاً واسعاً في بناء المجتمع المتحضر، على أساس مفهوم الاستقلالية والطرح المهني البعيد عن الأفكار ذات المفهوم الضيق، وهو يشكل منعطفاً كبيراً في تبادل الأفكار والآراء بطريقة توصل إلى المتلقي المعلومة الصحيحة، دون تزويق أو تغيير.
ويتخذ الإعلام المهني، مبدأً أساسياً بعدم الانحياز لجهة أو فئة خاصة، وإنما يعتمد بطروحاته على خارطة المجتمع الكبرى، من خلال رفده بالمعلومات والثقافات المتنورة والابتعاد عن نشر الأفكار الضيقة التي قد تُدخل المجتمعات في أنفاق مظلمة من الصعب الخروج منها.. الإعلام العراقي بعد التغيير، خطا خطوات جيدة بالاتجاه الصحيح، من خلال تبنيه لمفاهيم منفتحة بعد مخاض عسير عاشه نتيجة السياسات التي كان يسير بركبها إبان الأنظمة الشمولية السابقة، وهي بحد ذاتها ثقافة أُجبر عليها الإعلاميون والصحفيون مكرهين، فكانت ترسم لهم سياسة متبناة من الفكر الشمولي، تسخر لأفكار وطروحات مدروسة، تتم تغذيتها ونشرها بين أبناء المجتمع لتحقيق الأهداف والأفكار المرسومة من قبل النظام.
وبعد سقوط النظام بدأت خطوات جديدة للإعلام العراقي أفرزتها المرحلة الراهنة، من خلال التحول من نظام الحكم الفردي الشمولي إلى النظام التعددي المبني على الانفتاح لتعدد الأحزاب والتيارات، وتواجدها في الساحة السياسية، كل له أيديولوجيته الخاصة وأفكاره التي يسعى إلى طرحها، ليتبنى من خلالها الكسب الشعبي، وهذه بحد ذاتها نقطة تحول في بناء المنظومة الإعلامية المستندة على تعدد الأفكار والرؤى، على الرغم من وجود بعض الشوائب في المفهوم العام لهذا التحول.
وبالتأكيد لا بدَّ من أن تزول تلك الشوائب، بالتوجه نحو الآفاق الواسعة للمنهج والسلوك المهني، فتعدد الفضائيات والاذاعات والصحف وشفافية الخطاب البعيد عن سياسة التهديم والتسقيط، جميعها تصب في ثقافة جديدة، هي ثقافة الانفتاح وتبني مفهوم المهنية في الطرح والابتعاد عن التخندق الضيق، سواء للطائفة أو العرق أو القومية، ولا بد من الإشارة إلى أن هذا الطرح، ربما يفسره البعض أننا في العراق نعيش مفهوم (المدينة الفاضلة)، وأننا وصلنا إلى مرحلة متقدمة من النضج الإعلامي والثقافي، بحيث نتحدث عن مفهوم الشفافية والمهنية بدرجة عالية، أنني أدركـ من خلال هذا الطرح التوجه الجديد لمرحلة بناء أساس حقيقي لمفهوم الإعلام المنفتح، ولا أعني بذلك (الإعلام المستقل)، بمعنى ومفهوم الاستقلالية، كوننا وضعنا أقدامنا في بداية السلم، وما زلنا بحاجة إلى جرعات كبيرة ومتعددة، لكي نهضم المفهوم الأساسي لاستقلالية الإعلام، ونتخطى رواسب الماضي، التي ما زالت عالقة، وهي حالة طبيعية لا يمكن بسهولة أن ينفض غبارها بين ليلة وضحاها، ويبقى واجب الإعلام العراقي، تبني ثقافة الوطنية وإبراز مفهوم المواطنة الحقة، وأن الواجب الحقيقي هو التوجه نحو المواطن بغرس روح المحبة والتسامح وزرع فكرة حب الوطن، من خلال الكتابات والبرامج التي تسهم في رفض كل منهج ضيق يرتكز على الطائفية المقيتة، أو القومية مع الأخذ بنظر الاعتبار احترام المواطن لطائفته وقوميته.
ولكن تبقى الخيمة الكبرى، التي تجمع مختلف الأطياف والقوميات هي خيمة العراق، لذلك لا بد من أن يكون هناك مشروع وطني، يتبناه الإعلام بكل اختصاصاته وهو مشروع (ثقافة المواطنة الحقيقية)، ومن خلاله يتم بناء ثقافة واقعية تكون انطلاقة نحو بناء جيل يتميز بنظرة حقيقية لمجتمع متحضر منفتح، يقر بقبول الآخر واحترام الرأي والنقد البناء، الذي يحمل معه الحلول دون التشهير بالآخر، وغرس ثقافة الحوار الهادئ السلمي، وهذا جزء من بناء المواطنة الصالحة.