مقالات
أخر الأخبار

الأهوار.. الحياة التي عادت

كتب إبراهيم سبتي: في تطور لافت، عادت الحياة إلى الأهوار- على الأقل في الموسم الحالي – بفعل غزارة الأمطار التي سقطت مؤخراً على العراق، وشكّلت هذه الأمطار شريان الحياة للأهوار التي عانت من الشح والجفاف في السنوات الماضية، والأمطار التي هطلت بكثرة، فقد كانت معززة لمساحات المياه الواسعة في الأهوار.

 

إن هذه الرقعة الرطبة من الجنوب العراقي، عانت كثيراً وخاصة في سنوات التجفيف المتعمد من قبل النظام المباد، الذي قرّر تحويلها إلى أرض بور ومقفرة لا تصلح للحياة، وكأنه أراد أن يُزيل مكاناً ظل قروناً مُرتبطاً بالمياه والزرع والجاموس والطير.

وأدَّت هذه الخطوة إلى نفوق الحيوانات مصدر المعيشة الأول ومن ثم هجرة أبناء المنطقة يبحثون عن السكن البديل والعمل بغير مهنة والاسترزاق منها بعيداً عن أرضهم، والأهوار عبارة عن مسطحات مائية تغطي الأراضي المنخفضة الواقعة في جنوب السهل الرسوبي ويغطيها قصب البردي الكثيف، ويتغذى من نهري دجلة والفرات..

شكلت الأهوار بطبيعتها الخلابة، لوحة عجائبية بفعل ما تمنحه لسكنتها من موارد اقتصادية وصيد وفير من الأسماك والطيور المهاجرة المتعددة الأصول والأعراق وبيوتها المشيدة من قصب البردي، والتي ظلت أثراً تاريخياً شاخصاً ومثيراً منذ الحضارة السومرية وحتى وقتنا الراهن…

وقد أدرجتها اليونسكو عام 2016 ضمن لائحة التراث العالمي، ويعني إدراج أي موقع في لائحة التراث العالمي أنه أصبح في قائمة المواقع المهمة والتي لا مثيل لها. ووجوب الحفاظ عليها والاهتمام بها خوفاً من اندثارها أو العبث بها من قبل البشر أو بفعل العوامل الأخرى.

وقالت اليونسكو عن إدراج الأهوار، بأنها تعتبر ملاذاً لتنوع بيولوجي وموقع تاريخي وحضاري بامتياز.. إن المحافظة على موقع الأهوار هنا تعني مسؤولية الجهات الرسمية على العناية وترتيبه وتنظيمه لاستقبال السياح من الداخل والخارج. وهي مهمة صعبة ويجب الاهتمام بها إلى أقصى الحدود لإبقاء الأهوار ضمن اللائحة العالمية وإدامتها لاستقبال السياح من انحاء العالم، وهي المهمة التي تسعى إليها الدول الأخرى في تشجيع حركة السياحة عندما تهتم بموقع تاريخي أو تراثي.

وبعد وضع الأهوار في لائحة التراث العالمي، تقوم منظمة اليونسكو وهي مركز التراث العالمي ومقرها في باريس، بمراقبة موقع الأهوار العراقية من خلال القيام بزيارتها وتسجيل أهم المستجدات الطارئة عليها لكي يتم منحها تقييماً للمستوى الذي هي عليه الأمر الذي تصدر على إثرها المنظمة، تحذيرات للقيام بإبعاد المخاطر أو المشكلات التي تهددها.

وفي خطوة تعتبر خطيرة من قبل اليونسكو هو اعتبارها من المواقع المهددة لعدم العناية بها وعدم تصحيح مسارات الأخطاء أو إبعاد الأخطار عنها، وجعلها فريسة للوقوع في المخاطر المحتملة. وظلت الأهوار تستقطب الرحالة الأجانب في عصور مختلفة، لكن الرحالة ويلفرد ثيسكر اختلف تماماً عن الآخرين، فقد عاش بين السكان لمدة سبع سنوات وتحديداً بين عامي 1950 و 1957. وقد أَلَّف كتابه الشهير « عرب الأهوار « في العام 1964 وعرض فيه طريقة الحياة بكل تفاصيلها وأهم المواقف التي صادفها هناك..

وفي كتابه المهم «العودة إلى الأهوار» الذي صدرت طبعته الأولى باللغة الإنجليزية عام 1977، يؤرخ الرحالة البريطاني كيفن يانغ رحلته إلى منطقة الأهوار العراقية شارحاً حياة السكان الاقتصادية والاجتماعية، الذين عاش معهم وتكلم عن حياتهم وعاداتهم وتقاليدهم.

ويروي جمال المنطقة بعين رحالة أجنبي ويذكر تاريخ نشأتها وكثير من التفاصيل وخاصة طبيعتها وجغرافيتها وما يميزها من أحوال وطبائع.. وقد دافع يونغ في كتابه عن أصالة سكان الأهوار وطيبتهم وصفاتهم التي كان مندهشاً منها.. هذه المسطحات المائية النادرة، في أمس الحاجة إلى تطويرها من الجانب السياحي وبناء منشآت تمكّنها من استقبال السياح من مختلف بلدان العالم، إضافة إلى طباعة كتيبات سياحية تعريفية بها تتناول الجانب التاريخي وأهم المحطات التي مرّت بها وخاصة في عهد النظام السابق، حين قام بتجفيفها انتقاماً من الأهالي بعد الانتفاضة في العام 1991.

وأعتقد بأن مكان كهذا، حري بالمسؤولين أن يهتموا به اهتماماً متميزاً لكونه ملاذاً للتنوع البيولوجي كما تقول اليونسكو، وأيضاً لكونه مساحة تتيح الراحة والاستجمام لتواجد الماء والجو المختلف وطبيعة قلّ نظيرها، إضافة للاهالي الذين يستقبلون ضيوفهم استقبالاً عراقياً استثنائياً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى