كتب د. كريم شغيدل :
لدى العراق بحكم ظروفه التي عاشها، سواء في حقبة النظام الشمولي المباد، أو في الحقبة التي تلت سقوطه، مشكلات بنيوية، سببتها خلخلة العلاقات الإقليمية، لا سيما مع أنظمة الخليج العربي، فالعلاقات العراقية العربية التي خلخلتها عملية غزو الكويت، ازدادت تقاطعاً بعد سقوط النظام، وكنا نفترض أو نأمل مواقف أخرى، والعلاقة مع إيران من حرب طاحنة ثم مصالحة مع النظام السابق لأسباب آنية اتخذت مساراً آخر، من داعم وحاضنة سابقة للمعارضة إلى تمدد وتدخل ما لم نقل نفوذاً، أما العلاقة مع تركيا فهي الأشد تعقيداً، فمن قضية المياه إلى النفوذ العسكري شمالي العراق، المجتمع الدولي عموماً والولايات الأميركية المتحدة على وجه الخصوص، وبسبب استشراء الفساد وتعثر ملفات الأمن والاستثمار والإعمار وما إلى ذلك من جهة، والعلاقة مع إيران من جهة ثانية، لم يتخذ خطوات جادة باتجاه استقرار العراق ومساعدته للنهوض.
كل تلك الملفات المتشابكة تستدعي تعاوناً حقيقياً، وعودة حقيقية للعراق، لا إلى الحضن العربي فحسب، وإنما إلى ما يستحق من مكانة، كونه يمثل حلقة وصل بين حضارتين عريقتين ولاعبين إقليميين قويين ومؤثرين في خريطة المنطقة هما تركيا وإيران من جانب وبين المحيط العربي من جانب آخر، ذلك أن إضعافه يتيح الفرصة لتمدد تلك القوتين واتساع نفوذهما على حساب العرب، لا سيما دول الخليج، ونرى في مؤتمر بغداد الأخير الذي لاقى دعماً دولياً وحضوراً مميزاً فرصة سانحة ينبغي استغلالها من قبل القوى الدولية والإقليمية لتقوية العراق والإسهام بجدية في استقراره وإسناد نظامه السياسي الديموقراطي، ومن ثم لعب دور مركزي في سياسات المنطقة.
لا ينبغي للعراق أن يكون ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الدولية والإقليمية، وألا يكون مصدر قلق لجيرانه أو منطقة حجابات لقوى معينة ضد قوى أخرى، وألا يكون عشاً لدبابير التطرف والتكفير، فالعراق دولة نفطية غنية بالموارد الطبيعية والبشرية، ولو أتيحت الفرصة له لاستعاد عافيته بأسرع ما يكون، وهو يتمتع بموقع يؤهله أن يكون مركزاً لا هامشاً ضعيفاً تحقق القوى المختلفة مصالحها الاستراتيجية من خلال ضعفه، فهذا ليس بصالح العرب ولا المنطقة ولا العالم.