كتب ناجي الغزي: يعدّ مشروع طريق التنمية الاستراتيجي من أبرز المشاريع الكبرى التي يتوقع لها أن تُحدث نقلة نوعية في المنطقة، على جميع الأصعدة الاقتصادية والسياحية والتجارية والدبلوماسية، بفضل عمقه الجيو استراتيجي، حيث يمتد طوله البالغ 1200 كم من الموانئ العراقية إلى الحدود التركية.
يسعى هذا المشروع إلى تحويل العراق من اقتصاد يعتمد على النفط (الاقتصاد الريعي)، إلى اقتصاد مستدام ومتعدد المصادر.
يعد المشروع نهراً اقتصادياً جديداً، إذ يجمع بين النقل البحري والبري على مستويات متقدمة، من خلال تقليل المدد الزمنية لنقل البضائع إلى نحو 25 يوماً، مقارنةً بقناة السويس التي تتجاوز (35 يوماً)، و45 يوماً مقارنة بطريق رأس الرجاء الصالح، وهذا الاختصار الزمني يعزز القدرة التنافسية للعراق، ويجعله ممراً استراتيجياً مميزاً للتجارة الدولية بين الشرق والغرب.
سيستثمر العراق في البنية التحتية بمبلغ يُقدّر بـ17 مليار دولار، مع فتح المجال أمام الشركات العالمية للاستثمار على طول المسار، وهذا يُمثل خطوة مهمة نحو تعزيز الاقتصاد الوطني بعيداً عن الاعتماد على النفط فقط، مما يتيح بناء المدن الصناعية على امتداد الطريق، وستصبح تلك المدن مراكز مهمة للنمو الصناعي والتجاري، ما يسهم في تحسين فرص العمل وتطوير القطاعات الحيوية، كالصناعة والزراعة والتعليم.
المشروع يمتد عبر 13 محافظة عراقية، ويشمل إنشاء 15 محطة رئيسة، تعد كل منها بمثابة مدينة اقتصادية مصغرة. هذه المحطات ستعزز النشاطات السياحية والاستثمارية، من خلال توفير بنية تحتية حديثة تربط المناطق المختلفة، وتجذب السياح المحليين والدوليين، فضلاً عن إمكانية الترويج للسياحة التجارية والصناعية على مستوى إقليمي ودولي.
يمثل مشروع طريق التنمية فرصة لتعزيز العلاقات الدبلوماسية بين العراق والدول المجاورة، بل وفتح آفاق جديدة للتعاون بين الشرق والغرب، وبما أنَّ المشروع يشمل عدة قطاعات منها النقل والطاقة المتجددة والكيبل الضوئي، فإنه يمهد الطريق لتشكيل تحالفات اقتصادية واستراتيجية جديدة.
التعاون مع الدول المجاورة والمستثمرين الدوليين، سيعزز مكانة العراق كمركز تجاري حيوي في المنطقة، مما يدعم الاستقرار الإقليمي، ويسهم في تحييد الصراعات لصالح التنمية الاقتصادية.
رغم الإمكانيات الواعدة للمشروع، فإنه لا يخلو من التحديات على المستويين المحلي والدولي.
التحديات المحلية:
1. الأمن والاستقرار: استمرار التحديات الأمنية في بعض مناطق العراق، قد يشكل تهديداً لتنفيذ المشروع بسلاسة، ومن هنا تأتي مسؤولية الحكومة المركزية والحكومات المحلية، بتأمين الطريق وضمان سلامة الاستثمارات، وهذا سيكون ضرورياً لضمان نجاح المشروع.
2. الفساد الإداري: قد يعيق الفساد الإداري تحقيق الأهداف المرجوة من المشروع، لذلك يتطلب التنفيذ الشفاف والتعاون بين الحكومة والقطاع الخاص، لضمان استخدام الموارد بشكل فعّال.
3. البنية التحتية الحالية: يحتاج المشروع إلى تحديث شامل للبنية التحتية، خصوصاً في مجال الموانئ وسكك الحديد والطرق البرية الأخرى والطاقة الكهربائية، مما قد يشكل تحدياً لوجستياً ومالياً كبيراً في المراحل الأولى.
التحديات الإقليمية والدولية:
1. التنافس الإقليمي: نظراً لأهمية المشروع في تعزيز التجارة بين الشرق والغرب، قد تواجه العراق تحديات من دول إقليمية أخرى ترى في المشروع تهديداً لمصالحها الاقتصادية، فمثلاً هناك دول تعتمد على طرق تجارية قائمة، قد تسعى لإعاقة أو تعطيل المشروع لصالح طرقها الخاصة.
2. العلاقات الدبلوماسية المتقلبة: استقرار العلاقات الدبلوماسية مع الدول التي يشملها المشروع، خاصة تركيا يعد عنصراً حاسماً في نجاح المشروع، وأنّ أي توترات سياسية قد تؤثر في استمرارية المشروع وتطوره.
3. التغيرات في الاقتصاد العالمي: الاقتصاد العالمي يتأثر بعوامل متعددة مثل التقلبات في أسعار الطاقة والأزمات المالية، لذلك قد يواجه المشروع تحديات اقتصادية نتيجة التغيرات في السوق العالمية، أو انكماش الاستثمارات الدولية.
في ظل نجاح المشروع واستكمال مراحله الخمس، يمكن أن يكون «طريق التنمية» جسراً حقيقياً يربط بين الشرق والغرب، مما يعزز التبادل الثقافي والاقتصادي بين الدول ويخلق منطقة استقرار جديدة تقوم على الاقتصاد بدلاً من الصراعات.
ومن هنا يأتي تعاون العراق مع القوى الاقتصادية الكبرى والاستفادة من التمويلات والاستثمارات الدولية، ما سيسهم في جعل العراق مركزاً عالمياً للتجارة، ويعزز من وضعه على الساحة الدولية.
لذلك يعد مشروع طريق التنمية فرصة تاريخية للعراق والمنطقة، ولكنه يتطلب إدارة حكيمة وتعاوناً محلياً ودولياً لمواجهة التحديات، وتحقيق الإمكانيات الكبيرة التي يحملها.